البحر المحيط، ج ٢، ص : ١٢٦
سمعهم، وعلى أبصارهم، وأنهم صم بكم عمي فهم لا يعقلون. واختلف في إعراب ذلك فقيل : هو منصوب بفعل محذوف تقديره : فعلنا ذلك، وتكون الباء في بأن اللّه متعلقة بذلك الفعل المحذوف. وقيل : مرفوع، واختلفوا، أهو فاعل، والتقدير : وجب ذلك لهم؟ أم خبر مبتدأ محذوف، التقدير : الأمر ذلك؟ أي ما وعدوا به من العذاب بسبب أن اللّه نزل الكتاب بالحق. فاختلفوا، أم مبتدأ، والخبر قوله : بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ؟ أي ذلك مستقر ثابت بأن اللّه نزل الكتاب بالحق، ويكون ذلك إشارة إلى أقرب مذكور، وهو العذاب، ويكون الخبر ليس مجرد تنزيل اللّه الكتاب بالحق، بل ما ترتب على تنزيله من مخالفته وكتمانه، وأقام السبب مقام المسبب. والتفسير المعنوي : ذلك العذاب حاصل لهم بكتمان ما نزل اللّه من الكتاب المصحوب بالحق، أو الكتاب الذي نزله بالحق. وقال الأخفش : الخبر محذوف تقديره : ذلك معلوم بأن اللّه، فيتعلق الباء بهذا الخبر المقدر، والكتاب التوراة والإنجيل، أو القرآن، أو كتب اللّه المنزلة على أنبيائه، أو ما كتب عليهم من الشقاوة بقوله : صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ، فيكون الكتاب بمعنى الحكم والقضاء، أقوال أربعة. بالحق، قال ابن عباس :
بالعدل. وقال مقاتل : ضد الباطل. وقال مكي : بالواجب، وحيثما ذكر بالحق فهو الواجب.
وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتابِ، قيل : هم اليهود، والكتاب : التوراة، واختلافهم : كتمانهم بعث عيسى، ثم بعث محمد صلى اللّه عليه وسلم. آمنوا ببعض، وهو ما أظهروه، وكفروا ببعض، وهو ما كتموه. وقيل : هم اليهود والنصارى، قاله السدي واختلاف كفرهم بما قصه اللّه تعالى من قصص عيسى وأمه عليهما السلام، وبإنكار الإنجيل، ووقع الاختلاف بينهم حتى تلاعنوا وتقاتلوا. وقيل : كفار العرب، والكتاب : القرآن. قال بعضهم : هو سحر، وبعضهم : هو أساطير الأولين، وبعضهم : هو مفترى إلى غير ذلك.
وقيل : أهل الكتاب والمشركون. قال أهل الكتاب : إنه من كلام محمد صلى اللّه عليه وسلم، وليس هو من كلام اللّه. وقالوا : إنما يعلمه بشر، وقالوا : دارست، وقالوا : إن هذا إلا اختلاق، إلى غير ذلك. وقال المشركون : بعضهم قال : سحر، وبعضهم : شعر، وبعضهم : كهانة، وبعضهم : ساطير، وبعضهم : افتراء إلى غير ذلك. والظاهر الإخبار عمن صدر منهم الاختلاف فيما أنزل اللّه من الكتاب بأنهم في معاداة وتنافر، لأن الاختلاف مظنة التباغض والتباين، كما أن الائتلاف مظنة التحاب والاجتماع. وفي المنتخب : الأقرب، حمل الكتاب على التوراة والإنجيل اللذين ذكرت البشارة بمحمد صلى اللّه عليه وسلم فيهما، لأن القوم قد عرفوا ذلك وكتموه، وعرفوا تأويله. فإذا أورد تعالى ما يجري مجرى العلة في إنزال العقوبة به،