البحر المحيط، ج ٢، ص : ١٦٥
أي : كتبا حقا، وإما لمصدر من الوصية أي إيصاء حقا، وأبعد من ذهب إلى أنه منصوب :
بالمتقين، وأن التقدير : على المتقين حقا، كقوله : أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا «١» لأنه غير المتبادر إلى الذهن، ولتقدمه على عامله الموصول، والأولى عندي أن يكون مصدرا من معنى :
كتب، لأن معنى : كتبت الوصية، أي : وجبت وحقت، فانتصابه على أنه مصدر على غير الصدر، كقولهم : قعدت جلوسا، وظاهر قوله : كتب وحقا، الوجوب، إذ معنى ذلك الإلزام على المتقين، قيل : معناه : من اتقى في أمور الورثة أن لا يسرف، وفي الأقربين أن يقدّم الأحوج فالأحوج، وقيل : من اتبع شرائع الإيمان العاملين بالتقوى قولا وفعلا، وخصهم بالذكر تشريفا لهم وتنبيها على علو منزلة المتقين عنده، وقيل : من اتقى الكفر ومخالفة الأمر.
وقال بعضهم : قوله عَلَى الْمُتَّقِينَ يدل على ندب الوصية لا على وجوبها، إذ لو كانت واجبة لقال : على المسلمين، ولا دلالة على ما قال لأنه يراد بالمتقين : المؤمنون، وهم الذين اتقوا الكفر، فيحتمل أن يراد ذلك هنا..
فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ : الظاهر أن الضمير يعود على الوصية بمعنى الإيصاء، أي : فمن بدّل الإيصاء عن وجهه إن كان موافقا للشرع من الأوصياء والشهود بعد ما سمعه سماع تحقق وتثبت، وعوده على الإيصاء أولى من عوده على الوصية، لأن تأنيث الوصية غير حقيقي، لأن ذلك لا يراعى في الضمائر المتأخرة عن المؤنث المجازي، بل يستوي المؤنث الحقيقي والمجازي في ذلك تقول : هند خرجت. والشمس طلعت، ولا يجوز طلع إلّا في الشعر، والتذكير على مراعاة المعنى وارد في لسانهم، ومنه :
كخرعوبة البانة المنفطر ذهب إلى المعنى : القضيب، كأنه قال : كقضيب البانة، ومنه في العكس : جاءته كتابي، فاحتقرها على معنى الصحيفة.
والضمير في سَمِعَهُ عائد على الإيصاء كما شرحناه، وقيل : يعود على أمر اللّه تعالى في هذه الآية.
وقيل : الهاء، في : فَمَنْ بَدَّلَهُ عائدة إلى الفرض، والحكم، والتقدير : فمن بدل الأمر المقدم ذكره، ومن : الظاهر أنها شرطية، والجواب : فَإِنَّما إِثْمُهُ وتكون : من، عامة في كل مبدل : من رضي بغير الوصية في كتابة، أو قسمة حقوق، أو شاهد بغير

_
(١) سورة الأنفال : ٨/ ٤.


الصفحة التالية
Icon