البحر المحيط، ج ٢، ص : ١٧٠
القول، وقد يتخلله بعض ما لا ينبغي من قول أو فعل، فبين أن ذلك لا إثم فيه إذا كان لقصد الإصلاح، ودلت الآية على جواز الصلح بين المتنازعين إذا خاف من يريد الصلح إفضاء تلك المنازعة إلى أمر محذور في الشرع. انتهى كلامه.
إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ. قيل : غفور لما كان من الخائف، وقيل : للمصلح رحيم حيث رخص، وقيل : غفور للموصي فيما حدث به نفسه من الجنف والخطأ والعهد والإثم إذ رجع إلى الحق، رحيم للمصلح.
وقال الراغب : أي متجاوز عن ما عسى أن يسقط من المصلح ما لم يجر.
وقد تضمنت هذه الآيات الشريفة، أن البر ليس هو تولية الوجوه قبل المشرق والمغرب، بل البر هو الإتيان بما كلفه الإنسان من تكاليف الشرع، اعتقادا وفعلا وقولا.
فمن الاعتقاد : الإيمان باللّه، وملائكته الذين هم وسائط بينه وبين أنبيائه، وكتبه التي نزلت على أيدي الملائكة، وأنبيائه المتقين. تلك الكتب من ملائكته. ثم ذكر ما جاءت به الأنبياء عن اللّه في تلك الكتب، من : إيتاء المال، وإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، والإيفاء بالعهد، والصبر في الشدائد. ثم أخبر أن من استوفى ذلك فهو الصابر المتقي، ولما كان تعالى قد ذكر قبل ما حلل وما حرم، ثم أتبع ذلك بمن أخذ مالا من غير حله، وعده بالنار، وأشار بذلك إلى جميع المحرمات من الأموال، ثم ذكر من اتصف بالبر التام وأثنى عليهم بالصفات الحميدة التي انطووا عليها، أخذ تعالى يذكر ما حرم من الدماء، ويستدعي صونها، وكان تقديم ذكر المأكول لعموم البلوى بالأكل، فشرع القصاص، ولم يخرج من وقع منه القتل واقتص منه عن الإيمان، ألا تراه قد ناداه باسم الإيمان وفصل شيئا من المكافأة فقال : الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى «١» ثم أخبر ذلك أنه إذا وقع عفو من الولي على دية فليتبع الولي بالمعروف، وليؤدي الجاني بالإحسان ليزرع بذلك الود بين القاتل والولي، ويزيل الإحن، لأن مشروعية العفو تستدعي على التآلف والتحاب وصفاء البواطن.
ثم ذكر أن ذلك تخفيف منه تعالى، إذ فيه صون نفس القاتل بشيء من عرض الدنيا، ثم توعد من اعتدى بعد ذلك، ثم أخبر أن في مشروعية القصاص حياة، إذ من علم أنه مقتول بمن قتل، وكان عاقلا، منعه ذلك من الإقدام على القتل، إذ في ذلك إتلاف نفس
(١) سورة البقرة : ٢/ ١٧٨.