البحر المحيط، ج ٢، ص : ١٨٦
أن لا حذف، فيكون الظاهر أن اللّه تعالى أوجب على المريض والمسافر عدة من أيام أخر، فلو صاما لم يجزهما، ويجب عليهما صوم عدة ما كانا فيه من الأيام الواجب صومها على غيرهما.
قالوا : وروي عن أبي هريرة أنه قال : من صام في السفر فعليه القضاء وتابعه عليه شواذ من الناس، ونقل ذلك ابن عطية عن عمر، وابنه عبد اللّه، وعن ابن عباس : أن الفطر في السفر عزيمة، ونقل غيره عن عبد الرحمن بن عوف : الصائم في السفر كالمفطر في الحضر، وقال به قوم من أهل الظاهر، وفرق أبو محمد بن حزم بين المريض والمسافر فقال، فيما لخصناه في كتابنا المسمى ب (الأنوار الأجلى في اختصار المحلى) ما نصه : ويجب على من سافر ولو عاصيا ميلا فصاعدا الفطر إذا فارق البيوت في غير رمضان، وليفطر المريض ويقضي بعد، ويكره صومه ويجزى، وحجج هذه الأقوال في كتب الفقه. وثبت
بالخبر المستفيض أن النبي صلى اللّه عليه وسلم صام في السفر، وروى ذلك عنه أبو الدرداء، وسلمة بن المحنق، وأبو سعيد، وجابر، وأنس، وابن عباس عنه إباحة الصوم والفطر في السفر، بقوله لحمزة بن عمرو الأسلمي وقد قال : أصوم في السفر؟ قال :«إن شئت فصم، وإن شئت فأفطر»
وعلى قول الجمهور : أن ثم محذوفا، وتقديره : فأفطر، وأنه يجوز للمسافر أن يفطر وأن يصوم.
واختلفوا في الأفضل، فذهب أبو حنيفة، وأصحابه، ومالك، والشافعي في بعض ما روي عنهما : إلى أن الصوم أفضل، وبه قال من الصحابة : عثمان بن أبي العاص الثقفي، وأنس بن مالك.
قال ابن عطية : وذهب أنس بن مالك إلى الصوم، وقال : إنما نزلت الرخصة ونحن جياع نروح إلى جوع، وذهب الأوزاعي وأحمد وإسحاق إلى أن الفطر أفضل، وبه قال من الصحابة ابن عمر، وابن عباس. ومن التابعين : ابن المسيب، والشعبي، وعمر بن عبد العزيز، ومجاهد، وقتادة.
قال ابن عطية : وقال مجاهد وعمر بن عبد العزيز وغيرهما : أيسرهما أفضلهما.
وكره ابن حنبل الصوم في السفر، ولو صام في السفر ثم أفطر من غير عذر فعليه القضاء فقط، قاله الأوزاعي، وأبو حنيفة، وزاد الليث : والكفارة. وعن مالك القولان.