البحر المحيط، ج ٢، ص : ١٩٠
وقال الأصم : يرجع ذلك إلى المريض والمسافر لأن لهما حالين : حال لا يطيقان فيه الصوم، وقد بين اللّه حكمها في قوله : فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ. وحال يطيقان، وهي حالة المرض والسفر الذين لا يلحق بهما جهد شديد لو صاما، فخيّر بين أن يفطر ويفدي، فكأنه قيل : وعلى المرضى والمسافرين الذين يطيقونه.
والظاهر من هذه الأقوال القول الأوّل، وذلك أن اللّه تعالى لما ذكر فرض الصيام على المؤمنين قسمهم إلى قسمين : متصف بمظنة المشقة، وهو المريض والمسافر، فجعل حكم هذا أنه إذا أفطر لزمه القضاء ومطيق للصوم، فإن صام قضى ما عليه، وإن أفطر فدى :
ثم نسخ هذا الثاني، وتقدم أن هذا كان، ثم نسخ.
والقائلون بأن الذين يطيقونه هم الشيوخ والعجز، تكون الآية محكمة على قولهم، واختلفوا، فقيل : يختص هذا الحكم بهؤلاء، وقيل : يتناول الحامل والمرضع، وأجمعوا على أن الشيخ الهرم إذا أفطر عليه الفدية، هكذا نقل بعضهم، وليس هذا الإجماع بصحيح، لأن ابن عطية نقل عن مالك أنه قال : لا أرى الفدية على الشيخ الضعيف واجبة، ويستحب لمن قوي عليها. وتقدم قول مالك ورأيه في الآية.
وقال الشافعي : على الحامل والمرضع، إذا خافتا على ولديهما، الفدية، لتناول الآية لهما، وقياسا على الشيخ الهرم، والقضاء.
وروي في البويطي : لا إطعام عليهما. وقال أبو حنيفة : لا تجب الفدية، وأبطل القياس على الشيخ الهرم، لأنه لا يجب عليه القضاء، ويجب عليهما. قال : فلو أوجبنا الفدية مع القضاء كان جمعا بين البدلين، وهو غير جائز، وبه قال ابن عمر، والحسن، وأبو يوسف ومحمد وزفر.
وقال علي : الفدية بلا قضاء
، وذهب ابن عمر، وابن عباس إلى أن الحامل تفطر وتفدي ولا قضاء عليها، وذهب الحسن، وعطاء، والضحاك، والزهري، وربيعة، ومالك، والليث إلى أن الحامل إذا أفطرت تقضي، ولا فدية عليها وذهب مجاهد، وأحمد إلى أنها تقضي وتفدي. وتقدم أن هذا مذهب الشافعي، وأما المرضع فتقدّم قول الشافعي، وأبي حنيفة فيها إذا أفطرت. وقال مالك في المشهور تقضي وتفدي. وقال في مختصر ابن عبد الحكم : لا إطعام على المرضع.
واختلفوا في مقدار ما يطعم من وجب عليه الإطعام، فقال إبراهيم، والقاسم بن


الصفحة التالية
Icon