البحر المحيط، ج ٢، ص : ١٩٢
وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً «١» أي :
فاجلدوا كل واحد منهم ثمانين جلدة. وتبين من افراد المسكين أن الحكم لكل يوم يفطر فيه مسكين، ولا يفهم ذلك من الجمع.
فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ أي : من زاد على مقدار الفدية في الطعام للمسكين، قاله مجاهد، وعلى عدد من يلزمه إطعامه، فيطعم مسكينين فصاعدا قاله ابن عباس، وطاووس، وعطاء، والسدي. أو جمع بين الإطعام والصوم، قاله ابن شهاب.
وانتصاب خَيْراً على أنه مفعول على إسقاط الحرف، أي : بخير، لأنه تطوّع لا يتعدى بنفسه، ويحتمل أن يكون ضمّن : تطوّع معنى فعل متعد، فانتصب خيرا، على أنه مفعول به، وتقديره، ومن فعل متطوعا خيرا، ويحتمل أن يكون انتصابه على أنه نعت لمصدر محذوف، أي : تطوعا خيرا، ودل وصف المصدر بالخيرية على خيرية المتطوع به، وتقدم ذكر قراءة من قرأ يطوع، فجعله مضارع أطوع، وأصله تطوع فأدغم، واجتلبت همزة الوصل. ويلزم في هذه القراءة أن تكون : من شرطية، ويجوز ذلك في قراءة من جعله فعلا ماضيا، والضمير في فهو، عائد على المصدر المفهوم من تطوع، أي : فالتطوع خير له، نحو قوله : اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى «٢» أي : العدل، وخير : خبر : لهو، وهو، هنا أفعل التفضيل، والمعنى : أن الزيادة على الواجب، إذا كان يقبل الزيادة، خير من الاقتصار عليه، وظاهر هذه الآية العموم في كل تطوع بخير، وإن كانت وردت في أمر الفدية في الصوم، وظاهر التطوع : التخيير في أمر الجواز بين الفعل والترك، وأن الفعل أفضل. ولا خلاف في ذلك، فلو شرع فيه ثم أفسده، لزمه القضاء عند أبي حنيفة، ولا قضاء عليه عند الشافعي.
وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ وقرأ أبيّ : والصوم خير لكم. هكذا نقل عن ابن عطية.
ونقل الزمخشري : أن قراءته : والصيام خير لكم، والخطاب للمقيمين المطيقين الصوم، أي : خير لكم من الفطر والفدية، أو للمريض والمسافر، أي : خير لكم من الفطر والقضاء، أو : لمن أبيح له الفطر من الجميع. أقوال ثلاثة.
وأبعد من ذهب إلى أنه متعلق بأول الآية، وهو يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ
(١) سورة النور : ٢٤/ ٤. [.....]
(٢) سورة المائدة : ٥/ ٨.