البحر المحيط، ج ٢، ص : ١٩٤
وذلك لتفخيمه وتعظيمه وإن كان المراد بقوله : أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ أيام رمضان، فجوزوا في إعراب شهر وجهين.
أحدهما : أن يكون خبر مبتدأ محذوف تقديره هو : شهر رمضان، أي : المكتوب شهر رمضان، قاله الأخفش، وقدره الفراء : ذلكم شهر وهو قريب.
الثاني : أن يكون بدلا من قوله : الصيام، أي : كتب عليكم شهر رمضان، قاله الكسائي، وفيه بعد لوجهين : أحدهما : كثرة الفصل بين البدل والمبدل منه، والثاني : أنه لا يكون إذ ذاك إلّا من بدل الاشتمال : لا، وهو عكس بدل الاشتمال، لأن بدل الاشتمال في الغالب يكون بالمصادر كقوله تعالى : يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ «١» وقول الأعشى :
لقد كان في حول ثواء ثويته تقضي لبانات ويسأم سائم
وهذا الذي ذكره الكسائي بالعكس، فلو كان هذا التركيب : كتب عليكم شهر رمضان صيامه، لكان البدل إذ ذاك صحيحا. وعكس : ويمكن توجيه قول الكسائي على أن يكون على حذف مضاف، فيكون من بدل الشيء من الشيء وهما لعين واحدة تقديره : صيام شهر رمضان، فحذف المضاف، وأقيم المضاف إليه مقامه، لكن في ذلك مجاز الحذف والفصل الكثير بالجمل الكثيرة، وهو بعيد، ويجوز على بعد أن يكون بدلا من أيام معدودات، على قراءة عبد اللّه، فإنه قرأ : أيام معدودات، بالرفع على أنها خبر مبتدأ محذوف، أي : المكتوب صومه أيام معدودات. ذكر هذه القراءة أبو عبد اللّه الحسين بن خالويه في كتاب (البديع) له في القرآن وانتصاب شهر رمضان على قراءة من قرأ ذلك على إضمار فعل تقديره : صوموا شهر رمضان، وجوزوا فيه أن يكون بدلا من قوله : أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ قاله الأخفش، والرماني وفيه بعد لكثرة الفصل، وأن يكون منصوبا على الإغراء تقديره الزموا شهر رمضان، قاله أبو عبيدة والحوفي، ورد بأنه لم يتقدم للشهر ذكر وإن كان منصوبا بقوله : وَأَنْ تَصُومُوا حكاه ابن عطية وجوزه الزمخشري قال : وقرىء بالنصب على : صوموا شهر رمضان، أو على الإبدال من : أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ، أو على أنه مفعول : وأن تصوموا. انتهى كلامه وهذا لا يجوز، لأن تصوموا صلة لأن، وقد فصلت

_
(١) سورة البقرة : ٢/ ٢١٧.


الصفحة التالية
Icon