البحر المحيط، ج ٢، ص : ٢٠٦
الإسناد للغائب طريقان للعرب : أشهرهما : مراعاة السابق من تكلم أو خطاب كهذا، وكقولهم : بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ «١» بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ «٢». وكقول الشاعر :
وإنا لقوم ما نرى القتل سبة والطريق الثاني : مراعاة الخبر كقولك : أنا رجل يأمر بالمعروف، وأنت امرؤ يريد الخير، والكلام على هذه المسألة متسع في علم العربية، وقد تكلمنا عليها في كتابنا الموسوم ب (منهج السالك) والعامل في : إذا، قوله أجيب.
وروي أنه نزل قوله : أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ لما نزل : فَإِنِّي قَرِيبٌ وقال المشركون : كيف يكون قريبا من بيننا وبينه على قولك سبع سموات في غلظ، سمك كل سماء خمسمائة عام، وفي ما بين كل سماء وسماء مثل ذلك، فبين بقوله : أُجِيبُ
: أن ذلك القرب هو الإجابة والقدرة، وظاهر قوله : أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ عموم الدعوات، إذ لا يريد دعوة واحدة، والهاء في : دعوة، هنّا ليست للمرة، وإنما المصدر هنا بني على فعلة نحو. رحمة، والظاهر عموم الداعي لأنه لا يدل على داع مخصوص، لأن الألف واللام فيه ليست للعهد، وإنما هي للعموم. والظاهر تقييد الإجابة بوقت الدعاء، والمعنى على هذا الظاهر أن اللّه تعالى يعطي من سأله ما سأله.
وذكروا قيودا في هذا الكلام، وتخصيصات، فقيدت الإجابة بمشيئة اللّه تعالى.
التقدير : إن شئت، ويدل عليه التصريح بهذا القيد في الآية الأخرى، فيكشف ما تدعون إليه إن شاء، وقيل : بوفق القضاء أي : أجيب إن وافق قضائي، وهو راجع لمعنى المشيئة، وقيل : يكون المسئول خير السائل، أي : إن كان خيرا. وقيل : يكون المسئول غير محال، وقد يثبت بصريح العقل وصحيح النقل أن بعض الدعاة لا يجيبه اللّه إلى ما سأل، ولا يبلغه المقصود مما طلب، فخصصوا الداعي بأن يكون : مطيعا مجتنبا لمعاصيه.
وقد صح أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال في الرجل يطيل السفر :«أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب، ومطعمه حرام، وملبسه حرام، ومشربه حرام، وغذي بالحرام، فأنّى يستجاب له»؟.

_
(١) سورة النمل : ٢٧/ ٤٧.
(٢) سورة النمل : ٢٧/ ٥٥.


الصفحة التالية
Icon