البحر المحيط، ج ٢، ص : ٢١١
وقوله : أحل، يقتضي أنه كان حراما قبل ذلك، وقد تقدّم نقل ذلك في سبب النزول، لكنه لم يكن حراما في جميع الليلة، ألا ترى أن ذلك كان حلالا، لهم إلى وقت النوم أو إلى بعد العشاء؟.
وقرأ الجمهور : أحل، مبنيا للمفعول، وحذف الفاعل للعلم به، وقرىء، أحل مبنيا للفاعل، ونصب : الرفث به، فأما أن يكون من باب الإضمار لدلالة المعنى عليه، إذ معلوم للمؤمنين أن الذي يحل ويحرم هو اللّه، وأما أن يكون من باب الالتفات، وهو الخروج من ضمير المتكلم إلى ضمير الغائب، لأن قبله : فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي ولكم، متعلق بأحل، وهو التفات، لأن قبله ضمير غائب، وانتصاب : ليلة، على الظرف، ولا يراد بليلة الوحدة بل الجنس، قالوا : والناصب لهذا الظرف : أحل، وليس بشيء، لأن : ليلة، ليس بظرف لأحل، إنما هو من حيث المعنى ظرف للرفث، وإن كانت صناعة النحو تأبى أن تكون انتصاب ليلة بالرفث، لأن الرفث مصدر وهو موصول هنا، فلا يتقدّم معموله، لكن يقدّر له ناصب، وتقديره : الرفث ليلة الصيام، فحذف، وجعل المذكور مبنيا له كما قالوا في قوله :
وبعض الحلم عند ا لجهل للذلة إذعان
أن تقديره : إذعان للذلة إذعان، وكما خرّجوا قوله : إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ «١» وإِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقالِينَ «٢» أي ناصح لكما، وقال : لعملكم، فما كان من الموصول قدّم ما يتعلق به من حيث المعنى عليه أضمر له عامل يدل عليه ذلك الموصول، وقد تقدّم أن من النحويين من يجيز تقدّم الظرف على نحو هذا المصدر، وأضيفت : الليلة، إلى الصيام على سبيل الاتساع، لأن الإضافة تكون لأدنى ملابسة، ولما كان الصيام ينوى في الليلة ولا يتحقق إلّا بصوم جزء منها صحت الإضافة.
وقرأ الجمهور : الرفث، وقرأ عبد اللّه : الرفوث، وكنى به هنا عن الجماع، والرفث قالوا : هو الإفصاح بما يجب أن يكنى عنه، كلفظ : النيك، وعبر باللفظ القريب من لفظ النيك تهجينا لما وجد منهم، إذ كان ذلك حراما عليهم، فوقعوا فيه كما قال فيه : تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ فجعل ذلك خيانة، وعدى بإلى، وإن كان أصله التعدية بالباء لتضمينه معنى الإفضاء، وحسن اللفظ به هذا التضمين، فصار ذلك قريبا من الكنايات التي جاءت في
(١) سورة الأعراف : ٧/ ٢١.
(٢) سورة الشعراء : ٢٦/ ١٦٨.