البحر المحيط، ج ٢، ص : ٣٧٨
ان الصنيعة لا تكون صنيعة حتى يصاب بها طريق المصنع
انتهى كلامه، وهو لا بأس به ومِنْ خَيْرٍ يتناول القليل والكثير.
وبدأ في المصرف بالأقرب فالأقرب، ثم بالأحوج فالأحوج، وقد مرّ الكلام في شيء من هذا الترتيب وشبهه، وقد استدل بهذه الآية على وجوب نفقة الوالدين والأقربين على الواجد، وحمل بعضهم الآية على أنها في الوالدين إذا كانا فقيرين، وهو غني.
وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ ما : في الموضعين شرطية منصوبة بالفعل بعدها، ويجوز أن تكون : ما، من قوله : قُلْ ما أَنْفَقْتُمْ موصولا، وأنفقتم، صلة، و : للوالدين، خبر، فالجار والمجرور في موضع المفرد، أو في موضع الجملة على الخلاف الذي في الجار والمجرور الواقع خبرا، أو هو معمول لمفرد، أو لجملة.
وإذا كانت : ما، في : ما أنفقتم، شرطية، فهذا الجار والمجرور في موضع خبر لمبتدأ محذوف، التقدير : فهو أو فمصرفه للوالدين.
وقرأ عليّ بن أبي طالب : وما يفعلوا، بالياء
، فيكون ذلك من باب الالتفات، أو من باب ما أضمر لدلالة المعنى عليه، أي : وما يفعل الناس، فيكون أعم من المخاطبين قبل، إذ يشملهم وغيرهم، وفي قوله : من خير، في الإنفاق يدل على طيب المنفق، وكونه حلالا، لأن الخبيث منهي عنه بقوله : وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ «١» وما ورد من أن اللّه طيب لا يقبل إلّا الطيب، ولأن الحرام لا يقال فيه خير. وقوله : من خير في قوله : وما تفعلوا، هو أعم : من، خير، المراد به المال، لأنه ما يتعلق به هو الفعل، والفعل أعم من الإنفاق، فيدخل الإنفاق في الفعل، فخير، هنا هو الذي يقابل الشر، والمعنى : وما تفعلوا من شيء من وجوه البر والطاعات وجعل بعضهم هنا : وما تفعلوا، راجعا إلى معنى الإنفاق، أي : وما تفعلوا من إنفاق خير، فيكون الأول بيانا للمصرف، وهذا بيان للمجازاة، والأولى العموم، لأنه يشمل إنفاق المال وغيره، ويترجح بحمل اللفظ على ظاهره من العموم.
ولما كان أولا السؤال عن خاص، أجيبوا بخاص، ثم أتى بعد ذلك الخاص التعميم في أفعال الخير، وذكر المجازاة على فعلها، وفي قوله : فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ دلالة على المجازاة، لأنه إذا كان عالما به جازى عليه، فهي جملة خبرية، وتتضمن الوعد بالمجازاة.

_
(١) سورة البقرة : ٢/ ٢٦٧.


الصفحة التالية
Icon