البحر المحيط، ج ٢، ص : ٣٨٠
وقال الزمخشري في توجيه قراءة السلمي : يجوز أن يكون بمعنى المضموم :
كالضعف والضعف، تريد المصدر، قال : ويجوز أن يكون بمعنى الإكراه على سبيل المجاز، كأنهم أكرهوا عليه لشدّة كراهته له ومشقته عليهم، ومنه قوله تعالى : حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً «١». انتهى كلامه.
وكون كره بمعنى الإكراه، وهو أن يكون الثلاثي مصدرا للرباعي هو لا ينقاس، فإن روي استعمال عن العرب استعملناه.
وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ. عسى هنا للاشفاق لا للترجي، ومجيئها للإشفاق قليل، وهي هنا تامة لا تحتاج إلى خبر، ولو كانت ناقصة لكانت مثل قوله تعالى :
فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا «٢» فقوله : أن تكرهوا، في موضع رفع بعسى، وزعم الحوفي في أنه في موضع نصب، ولا يمكن إلّا بتكلف بعيد، واندرج في قوله : شيئا القتال، لأنه مكروه بالطبع لما فيه من التعرض للأسر والقتل، وإفناء الأبدان، وإتلاف الأموال. والخير الذي فيه هو الظفر. والغنيمة بالاستيلاء على النفوس، والأموال أسرا وقتلا ونهبا وفتحا، وأعظمها الشهادة وهي الحالة التي تمناها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم مرارا.
والجملة من قوله : وهو خير لكم، حال من قوله : شيئا، وهو نكرة، والحال من النكرة أقل من الحال من المعرفة، وجوّزوا أن تكون الجملة في موضع الصفة، قالوا :
وساغ دخول الواو لما كانت صورة الجملة هنا كصورتها، إذ كانت حالا. انتهى. وهو ضعيف، لأن الواو في النعوت إنما تكون للعطف في نحو : مررت برجل عالم وكريم، وهنا لم يتقدم ما يعطف عليه، ودعوى زيادة الواو بعيدة، فلا يجوز أن تقع الجملة صفة.
وَعَسى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ عسى هنا للترجي، ومجيئها له هو الكثير في لسان العرب، وقالوا : كل عسى في القرآن للتحقيق، يعنون به الوقوع إلّا قوله تعالى :
عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْواجاً «٣». واندرج في قوله : شيئا، الخلود إلى الراحة وترك القتال، لأن ذلك محبوب بالطبع لما في ذلك من ضد ما قد يتوقع من الشر في القتال، والشر الذي فيه هو ذلهم، وضعف أمرهم، واستئصال شأفتهم، وسبي ذراريهم، ونهب أموالهم، وملك بلادهم.

_
(١) سورة الأحقاف : ٤٦/ ١٥.
(٢) سورة البقرة : ٢/ ٢٤٦.
(٣) سورة التحريم : ٦٦/ ٥. [.....]


الصفحة التالية
Icon