البحر المحيط، ج ٢، ص : ٣٨٤
كونها وصفت بالجار والمجرور، وهكذا قالوا، ويجوز أن يكون : فيه، معمولا لقتال، فلا يكون في موضع الصفة، وتقييد النكرة بالمعمول مسوغ أيضا لجواز الابتداء بالنكرة، وحدّ الاسم إذا تقدّم نكرة، وكان إياها، أن يعود معرفا بالألف واللام، تقول : لقيت رجلا فضربت الرجل، كما قال تعالى : كَما أَرْسَلْنا إِلى فِرْعَوْنَ رَسُولًا فَعَصى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ «١» قيل : وإنما لم يعد بالألف واللام هنا لأنه ليس المراد تعظيم القتال المذكور المسئول عنه. حتى يعاد بالألف واللام، بل المراد تعظيم : أي قتال كان في الشهر الحرام، فعلى هذا : قتال الثاني، غير الأوّل انتهى.
وليست الألف واللام تفيد التعظيم في الاسم، إذ كانت النكرة السابقة، بل هي فيه للعهد السابق، وقيل : في (المنتخب) : إنما نكر فيهما لأن النكرة الثانية هي غير الأولى، وذلك أنهم أرادوا بالأول الذي سألوا عنه، فقال عبد اللّه بن جحش، وكان لنصرة الإسلام وإذلال الكفر، فلا يكون هذا من الكبائر، بل الذي يكون كبيرا هو قتال غير هذا، وهو ما كان الفرض فيه هدم الإسلام وتقوية الكفر، فاختير التنكير في اللفظين لأجل هذه الدقيقة، ولو وقع التعبير عنهما، أو عن أحدهما، بلفظ التعريف لبطلت هذه الفائدة. انتهى.
واتفق الجمهور على أن حكم هذه الآية حرمة القتال في الشهر الحرام، إذ المعنى :
قل قتال فيه لهم كبير، فقال ابن عباس، وقتادة، وابن المسيب، والضحاك، والأوزاعي :
إنها منسوخة بآية السيف : فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ «٢» إذ يلزم من عموم المكان عموم الزمان.
وقيل : هي منسوخة بقوله : وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً «٣»، وإلى هذا ذهب الزهري، ومجاهد، وغيرهما.
وقيل : نسخهما غزو النبي صلى اللّه عليه وسلم ثقيفا في الشهر الحرام، وإغزاؤه أبا عامر إلى أوطاس في الشهر الحرام.
وقيل : نسخها بيعة الرضوان والقتال في ذي القعدة، وضعف هذا القول بأن تلك البيعة كانت على الدفع لا على الابتداء بالقتال.

_
(١) سورة المزمل : ٧٣/ ١٦.
(٢) سورة التوبة : ٩/ ٥.
(٣) سورة التوبة : ٩/ ٣٦.


الصفحة التالية
Icon