البحر المحيط، ج ٢، ص : ٣٩١
خطاب المؤمنين، وهذا إخبار من اللّه للمؤمنين بفرط عداوة الكفار، ومباينتهم لهم، ودوام تلك العداوة، وأن قتالهم إياكم معلق بإمكان ذلك منهم لكم، وقدرتهم على ذلك.
و : حتى يردوكم، يحتمل الغاية، ويحتمل التعليل، وعليهما حملها أبو البقاء وهي متعلقة في الوجهين : بيقاتلونكم، وقال ابن عطية : ويردوكم، نصب بحتى لأنها غاية مجردة، وقال الزمخشري : وحتى، معناها التعليل، كقولك : فلان يعبد اللّه حتى يدخل الجنة، أي : يقاتلونكم كي يردوكم. انتهى. وتخريج الزمخشري أمكن من حيث المعنى، إذ يكون الفعل الصادر منهم المنافي للمؤمنين، وهو : المقاتلة، ذكر لها علة توجيها، فالزمان مستغرق للفعل ما دامت علة الفعل، وذلك بخلاف الغاية، فإنها تقييد في الفعل دون ذكر الحامل عليه، فزمان وجوده مقيد بغايته، وزمان وجود الفعل المعلل مقيد بوجود علة، وفرق في القوة بين المقيد بالغاية والمقيد بالعلة لما في التقييد بالعلة من ذكر الحامل وعدم ذلك في التقييد بالغاية.
و : عن دينكم، متعلق : بيردوكم، والدين هنا الإسلام، و : إن استطاعوا، شرط جوابه محذوف يدل عليه ما قبله، التقدير : إن استطاعوا فلا يزالون يقاتلونكم، ومن جوّز تقديم جواب الشرط، قال : ولا يزالون، هو الجواب.
وقال الزمخشري : إن استطاعوا، استبعاد لاستطاعتهم، كقول الرجل لعدوه : إن ظفرت بي فلا تبق عليّ، وهو واثق بأنه لا يظفر به. انتهى قوله : ولا بأس به.
وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كافِرٌ فَأُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ ارتد : افتعل من الرد، وهو الرجوع، كما قال تعالى : فَارْتَدَّا عَلى آثارِهِما قَصَصاً «١» وقد عدّها بعضهم فيما يتعدّى إلى اثنين، إذا كانت عنده، بمعنى : صير وجعل، من ذلك قوله : فَارْتَدَّ بَصِيراً «٢» أي : صار بصيرا، ولم يختلف هنا في فك المثلين، والفك هو لغة الحجاز، وجاء افتعل هنا بمعنى التعمل والتكسب. لأنه متكلف، إذ من باشر دين الحق يبعد أن يرجع عنه، فلذلك جاء افتعل هنا، وهذا المعنى، وهو التعمل والتكسب، هو أحد المعاني التي جاءت لها افتعل.
و : منكم، في موضع الحال من الضمير المستكن في : يرتدد، العائد على : من،
(١) سورة الكهف : ١٨/ ٦٤.
(٢) سورة يوسف : ١٢/ ٩٦.