البحر المحيط، ج ٢، ص : ٤١٤
يفسد من الذي يصلح، ومعنى ذلك : أنه يجازي كلا منهما على الوصف الذي قام به، وكثيرا ما ينسب العلم إلى اللّه تعالى على سبيل التحذير، لأن من علم بالشيء جازى عليه، فهو تعبير بالسبب عن المسبب، و : يعلم، هنا متعد إلى واحد، وجاء الخبر هنا بالفعل المقتضي للتجدد، وإن كان علم اللّه لا يتجدد، لأنه قصد به العقاب والثواب للمفسد والمصلح، وهما وصفان يتجدّدان من الموصوف بهما، فتكرر ترتيب الجزاء عليهما لتكررهما، وتعلق العمل بالمفسد أولا ليقع الإمساك عن الإفساد.
ومن، متعلقة بيعلم على تضمين ما يتعدّى بمن، كأن المعنى : واللّه يميز بعلمه المفسد من المصلح.
وظاهر الألف واللام أنها للاستغراق في جميع أنواع المفسد والمصلح، والمصلح في مال اليتيم من جملة مدلولات ذلك، ويجوز أن تكون الألف واللام للعهد، أي : المفسد في مال اليتيم من المصلح فيه، والمفسد بالإهمال في تربيته من المصلح له بالتأديب، وجاءت هذه الجملة بهذا التقسيم لإن المخالطة على قسمين : مخالطة بإفساد، ومخالطة بإصلاح. ولأنه لما قيل : قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ فهم مقابله، وهو أن الإفساد شر، فجاء هذا التقسيم باعتبار الإصلاح. ومقابله وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ أي : لأخرجكم وشدد عليكم قاله ابن عباس، والسدّي وغيرهما، أو : لأهلككم، قاله أبو عبيدة، أو : لجعل ما أصبتم من أموال اليتامى موبقا، قاله ابن عباس، وهو معنى ما قبله، أو : لكلفكم ما يشق عليكم، قاله الزجاج، أو : لآثمكم بمخالطتهم أو : لضيق عليكم الأمر في مخالطتهم، قاله عطاء، أو : لحرم عليكم مخالطتهم، قاله ابن جرير. وهذه أقوال كلها متقاربة.
ومفعول : شاء، محذوف لدلالة الجواب عليه، التقدير : ولو شاء اللّه إعناتكم، واللام في الفعل الموجب الأكثر في لسان العرب المجيء بها فيه، وقرأ الجمهور لأعنتكم بتخفيف الهمزة، وهو الأصل، وقرأ البزي من طريق أبي ربيعة «بتليين الهمزة» وقرىء بطرح الهمزة وإلقاء حركتها على اللام كقراءة من قرأ : فلا اثم عليه، بطرح الهمزة.
قال أبو عبد اللّه نصر بن علي المعروف بابن مريم : لم يذكر ابن مجاهد هذا الحرف، وابن كثير لم يحذف الهمزة، وإنما لينها وحققها، فتوهموا أنها محذوفة، فإن الهمزة همزة قطع فلا تسقط حالة الوصل ما تسقط همزات الوصل عند الوصل. انتهى كلامه. فجعل إسقاط الهمزة وهما، وقد نقلها غيره قراءة كما ذكرناه.


الصفحة التالية
Icon