البحر المحيط، ج ٢، ص : ٤٢٢
وقيل هذه سؤالات ثلاثة بغير واو يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ «١» يَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ قُلْ ما أَنْفَقْتُمْ «٢» يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ «٣» وثلاثة : يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ قيل إنها جاءت بغير واو العطف لأن سؤالهم عن تلك الحوادث وقع في أوقات متباينة متفرّقة، فلم يؤت فيها بحرف العطف، لأن كلّا منها سؤال مبتدأ. انتهى.
ومناسبة هذه الآية لما قبلها هو أنه لما نهى عن مناكحة الكفار، وتضمن مناكحة أهل الإيمان وإيثار ذلك، بين حكما عظيما من أحكام النكاح، وهو حكم النكاح في زمان الحيض. والمحيض، كما قررناه، هو مفعل، هو مفعل من الحيض يصلح من حيث اللغة للمصدر والزمان والمكان، فأكثر المفسرين من الأدباء زعموا أن المراد به المصدر، وكأنه قيل : عن الحيض، وبه فسره الزمخشري وبه بدأ ابن عطية قال : المحيض مصدر كالحيض، ومثله المقيل من قال يقيل. قال الراعي :
بنيت مرافقهنّ فوق مزلة لا يستطيع بها القراد مقيلا
وقال الطبري : المحيض اسم الحيض، ومثله قول رؤبة في العيش :
إليك أشكوا شدّة المعيش ومرّ أعوام نتفن ريشي
انتهى كلامه. ويظهر منه أنه فرق بين قول : المحيض مصدر كالحيض، وبين قول الطبري :
المحيض اسم الحيض، ولا فرق بينهما يقال فيه مصدر، ويقال فيه اسم مصدر، والمعنى واحد. والقول بأن المحيض مصدر مروي عن ابن المسيب وقال ابن عباس : هو موضع الدم، وبه قال محمد بن الحسن، فعلى هذا يكون المراد منه المكان. ورجح كونه مكان الدم بقوله : فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ فلو أريد به المصدر لكان الظاهر منع الاستمتاع بها فيما فوق السرة ودون الركبة غير ثابت، لزم القول بتطرق النسخ، أو التخصيص، وذلك خلاف الأصل، فإذا حمل على موضع الحيض كان المعنى : فاعتزلوا النساء في موضع الحيض. قالوا واستعماله في الموضع أكثر وأشهر منه في المصدر انتهى.
ويمكن أن يرجح المصدر بقوله : قُلْ هُوَ أَذىً. ومكان الدم نفسه ليس بأذى لأن الأذى كيفية مخصوصة وهو عرض، والمكان جسم، والجسم لا يكون عرضا. وأجيب عن هذا بأنه يكون على حذف إذا أريد المكان، أي : ذو أذى.

_
(١) سورة البقرة : ٢/ ١٨٩.
(٢) سورة البقرة : ٢/ ٢١٥.
(٣) سورة البقرة : ٢/ ٢١٧.


الصفحة التالية
Icon