البحر المحيط، ج ٢، ص : ٤٢٨
«تناكحوا فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة»
، لا قضاء الشهوة فقط، فأتوا النساء من المسلك الذي يتعلق به الغرض الأصلي، وهو القبل.
ونساؤكم : مبتدأ، وحرث لكم : خبر، إما على حذف أداة التشبيه، أي : كحرث لكم ويكون نساؤكم على حذف مضاف، أي : وطء نسائكم كالحرث لكم، شبه الجماع بالحرث، إذ النطفة كالبذر، والرحم كالأرض، والولد كالنبات، وقيل : هو على حذف مضاف أي :
موضع حرث لكم، وهذه الكناية في النكاح من بديع كنايات القرآن، قالوا : وهو مثل قوله تعالى : يَأْكُلُ الطَّعامَ «١» ومثل قوله : وَأَرْضاً لَمْ تَطَؤُها «٢» على قول من فسره بالنساء، ويحتمل أن يكون : حرث لكم، بمعنى : محروثه لكم، فيكون من باب إطلاق المصدر، ويراد به اسم المفعول. وفي لفظة : حرث لكم، دليل على أنه القبل لا الدبر؟ قال الماتريدي : أي مزدرع لكم، وفيها دليل على النهي عن امتناع وطئ النساء، لأن المزدرع إذا ترك ضاع.
ودليل على إباحة الوطء لطلب النسل والولد، لا لقضاء الشهوة. انتهى كلامه.
وفرق الراغب بين الحرث والزرع، فقال : الحرث إلقاء البذر وتهيئة الأرض، والزرع مراعاته وإنباته، ولذلك قال تعالى أَفَرَأَيْتُمْ ما تَحْرُثُونَ أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ «٣» أثبت لهم الحرث ونفى عنهم الزرع.
فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ الإتيان كناية عن الوطء، وجاء : حرث لكم، نكرة لأنه الأصل في الخبر، ولأنه كان المجهول، فأفادت نسبته إلى المبتدأ جواز الاستمتاع به شرعا، وجاء : فأتوا حرثكم، معرفة لأن في الإضافة حوالة على شيء سبق، واختصاصا بما أضيف إليه، ونظير ذلك أن تقول : زيد مملوك لك فأحسن إلى مملوكك.
وإذا تقدّمت نكرة، وأعدت اللفظ، فلا بد أن يكون معرفة : إما بالألف واللام، كقوله : فَعَصى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ «٤» وإما بالإضافة كهذا.
وأنّى : بمعنى : كيف بالنسبة إلى العزل، وترك العزل، قاله ابن المسيب، فتكون الكيفية مقصورة على هذين الحالين، أو بمعنى كيف على الإطلاق في أحوال المرأة، قاله عكرمة، والربيع، فتكون دلت على جواز الوطء للمرأة. في أي حال شاءها الواطئ مقبلة ومدبرة،

_
(١) سورة الفرقان : ٢٥/ ٧.
(٢) سورة الأحزاب : ٣٣/ ٢٧.
(٣) سورة الواقعة : ٥٦/ ٦٣ و٦٤.
(٤) سورة المزمل : ٧٣/ ١٦.


الصفحة التالية
Icon