البحر المحيط، ج ٢، ص : ٤٣
الظلم، أو إلا أن تظلمني، أي ما لك حجة البتة، ولكنك تظلمني. وأجاز قطرب أن يكون الذين في موضع جر بدلا من ضمير الخطاب في عليكم، ويكون التقدير : لئلا تثبت حجة للناس على غير الظالمين منهم، وهم أنتم أيها المخاطبون، بتولية وجوهكم إلى القبلة.
ونقل السجاوندي أن قطربا قرأ : إلا على الذين ظلموا، وهو بدل أيضا على إظهار حرف الجر، كقوله : لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ «١»، وهذا ضعيف، لأن فيه إبدال الظاهر من ضمير الخطاب، بدل شيء من شيء، وهما لعين واحدة، ولا يجوز ذلك إلا على مذهب الأخفش. وزعم أبو عبيد معمر بن المثنى أن إلا في الآية بمعنى الواو، وجعل من ذلك قوله :
ما بالمدينة دار غير واحدة دار الخليفة إلا دار مروانا
وقوله :
وكل أخ مفارقه أخوه لعمر أبيك إلا الفرقدان
التقدير : عنده والذين ظلموا، ودار مروان والفرقدان وإثبات إلا بمعنى الواو، لا يقوم عليه دليل، والاستثناء سائغ فيما ادّعى فيه أن إلا بمعنى الواو، وكان أبو عبيدة يضعف في النحو. وقال الزجاج : هذا خطأ عند حذاق النحويين، وأضعف من هذا زعم من زعم أن إلا بمعنى بعد، أي بعد الذين ظلموا، وجعل من ذلك إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ «٢»، أي بعد ما قد سلف، وإِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولى «٣»، أي بعد الموتة الأولى، ولولا أن بعض المفسرين ذكر هذين القولين، ما ذكرتهما لضعفهما. فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي : هذا فيه تحقير لشأنهم، وأمر باطراحهم، ومراعاة لأمره تعالى. وضمير المفعول في فلا تخشوهم يحتمل أن يعود على الناس، أي فلا تخشوا الناس، وأن يعود على الذين ظلموا، أي فلا تخشوا الظالمين.
ونهى عن خشيتهم فيما يزخرفونه من الكلام الباطل، فإنهم لا يقدرون على نفع ولا ضر.
وأمر بخشيته هو في ترك ما أمرهم به من التوجه إلى المسجد الحرام. وقيل : المعنى فلا تخشوهم في المباينة، واخشوني في المخالفة، ومعناه قريب من الأول. وقد ذكرنا شرح هاتين الجملتين في ذكر قراءة ابن عباس بقريب من هذا. وقال السدي : معناه لا تخشوا أن

_
(١) سورة الأعراف : ٧/ ٧٥.
(٢) سورة النساء : ٤/ ٢٢ و٢٣.
(٣) سورة الدخان : ٤٤/ ٥٦.


الصفحة التالية
Icon