البحر المحيط، ج ٢، ص : ٤٤١
فخالف فلا واللّه تهبط تلعة أي : لا تهبط، وقيل : ارادة أن تبروا، والتقادير الأول متلاقية من حيث المعنى، وروي هذا المعنى عن ابن عباس، ومجاهد، وعطاء، وابن جريج، وابراهيم، وقتادة، والضحاك، والسدي، ومقاتل، والفراء، وابن قتيبة، والزجاج، في آخر من روي عنهم أن المعنى : لا تحلفوا باللّه أن لا تبروا، فيتعلق بقوله : ولا تجعلوا، ولا يظهر هذا المعنى لما فيه من تعليل امتناع الحلف بانتفاء البر، بل وقوع الحلف معلل بانتفاء البر، ولا ينعقد منه شرط وجزاء لو قلت في معنى هذا النهي وعلته : إن حلفت باللّه بررت، لم يصح وذلك كما تقول : لا تضرب زيدا لئلا يؤذيك، فانتفت الاذاية للامتناع من الضرب، والمعنى : إن لم تضربه لم يؤذك، وإن ضربته أذاك، فلا يترتب على الامتناع من الحلف انتفاء البر، ولا على وجوده، بل يترتب على الامتناع من الحلف وجود البر، وعلى وقوع الحلف انتفاء البر، وهذا الذي ذكرناه يؤيد القول بان التقدير : إرادة أن تبروا، لأنه يعلل الامتناع من الحلف بإرادة وجود البر، ويتعلق منه الشرط والجزاء، تقول : إن حلفت لم تبر، وإن لم تحلف بررت.
وقد شرح بعض العلماء هذا المعنى فقال : أن تبروا وتتقوا وتصلحوا علة لهذا النهي، أي : إرادة أن تبروا، والمعنى إنما نهيكم عن هذا لما في توقي ذلك من البر والتقوى والإصلاح، فتكونون معاشر المؤمنين بررة أتقياء مصلحين في الأرض غير مفسدين، فإن قلت : كيف يلزم من ترك الحلف حصول البر والتقوى والإصلاح بين الناس؟ قلنا : لأن من ترك الحلف لاعتقاده أن اللّه تبارك وتعالى، أعظم وأجل أن يستشهد باسمه المعظم في طلب الدنيا، إن هذا من أعظم أبواب البر.
وأما معنى التقوى فظاهر، لأنه اتقى أن يصدر منه ما يخل بتعظيم اللّه تعالى وأما الإصلاح بين الناس، فلأن الناس متى اعتقدوا فيه كونه معظما للّه تعالى إلى هذا الحد، محترزا عن الإخلال بواجب حقه، اعتقدوا فيه كونه معظما للّه، وكونه صادقا بعيدا من الأغراض الفاسدة، فيتقبلون قوله، فيحصل الصلح بتوسطه. انتهى هذا الكلام.
وفي (المنتخب) وهو بسط ما قاله الزمخشري قال : ومعناها على الأخرى يزيد على أن يكون عرضة، بمعنى معرضا للأمر، قال : ولا تجعلوا اللّه معرضا لأيمانكم فتتبذلوه