البحر المحيط، ج ٢، ص : ٤٤٥
وقسمت الأيمان إلى : لغو ومنعقدة، وغموس، والمنعقدة : هي على المستقبل التي يصح فيها الحنث والبر، وبينا اللغو والغموس، وقسمت أيضا إلى : حلف على ما من محرم وهي : الكاذبة، ومباح : وهي الصادقة، وعلى مستقبل عقدها طاعة، والمقام عليها طاعة، وحلها معصية أو مكروه، ومقابلها أو ما هو مباح عقدها والمقام عليها وحلها، ولكن دخلت هنا بين نقيضين باعتبار وجود اليمين لأنها لا تخلو من أن لا يقصدها القلب، ولكن جرت على اللسان وهي : اللغو، أو تقصدها وهي : المنعقدة، وهما ضدان باعتبار أن لا توجد اليمين، إذ الإنسان قد يخلو من اليمين، وهذان النوعان من النقيضين والضد أحسن ما يقع فيه : لكن، وأما الخلافان ففي جواز وقوعها بينهما خلاف، وقد تقدّم طرف من هذا، وإبدال الهمزة واوا في مثل : يؤاخذ، مقيس، ونحوه : يؤذن، ويؤلف، وفي قوله : وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ محذوف تقديره : ولكن يؤاخذكم في أيمانكم بما كسبت قلوبكم، وحذف لدلالة ما قبله عليه، و : ما، في قوله : بما، موصولة، والعائد محذوف، ويحتمل أن تكون مصدرية، ويحسنه مقابلته بالمصدر، وهو قوله : باللغو، وجوّز أن تكون نكرة موصوفة.
وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ جاءت هاتان الصفتان تدلان على توسعة اللّه على عباده حيث لم يؤاخذهم باللغو في الأيمان، وفي تعقيب الآية بهما إشعار بالغفران، والحلم عن من أوعده تعالى بالمؤاخذة، وإطماع في سعة رحمته، لأن من وصف نفسه بكثرة الغفران والصفح مطموع في ما وصف به نفسه، فهذا الوعيد الذي ذكره تعالى مقيد بالمشيئة، كسائر وعيده تعالى.
لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ قال ابن المسيب : كان الإيلاء ضرار أهل الجاهلية، كان الرجل لا يترك المرأة، ولا يحب أن يتزوجها غيره فيحلف أن لا يقربها، فيتركها لا أيما، ولا ذات زوج، فأنزل اللّه هذه الآية.
وقال ابن عباس : كان إيلاء أهل الجاهلية السنة والسنتين وأكثر، فوقت اللّه ذلك.
ومناسبة هذه الآية لما قبلها ظاهرة، لأنه تقدّم شيء من أحكام النساء، وشيء من أحكام الإيمان، وهذه الآية جمعت بين الشيئين.
وقرأ عبد اللّه : للذين آلوا، بلفظ الماضي وقرأ أبي، وابن عباس : للذين يقسمون.
والإيلاء، كما تقدّم، هو الحلف، وقد ذكرنا الإيلاء من النساء كيف كان في


الصفحة التالية
Icon