البحر المحيط، ج ٢، ص : ٤٥٢
تربص المدة المشروعة بأسرها، لأن الفيئة تكون فيها، والعزم بعدها، لأن هذا التقييد.
المغاير لا يدل عليه اللفظ، وإنما تطابق الآية أن نقول : للضيف إكرام ثلاثة أيام، فإن أقام فنحن كرماء مؤثرون، وإن عزم على الرحيل فله أن يرحل. فالذي يتبادر إليه الذهن أن الشرطين مقدران بعد إكرامه الثلاثة الأيام، وأما أن يكون المعنى : فإن أقام في مدة الثلاثة الأيام، وإن عزم على الرحيل بعد ذلك، فهذا الاختلاف في الطرفين لا يتبادر إليه الذهن، وإن كان مما يحتمله اللفظ، وفرق بين الظاهر والمحتمل، ولا يفرق بين الآية وتمثيل الزمخشري إلّا من ارتاض ذهنه في التراكيب العربية، وعرى من حمل كتاب اللّه على الفروع المذهبية، باتباعه الحق واجتنابه العصبية.
وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ذكر بعضهم في سبب نزول هذه الآية ما لا يعد سببا، ومناسبة هذه الآية لما قبلها ظاهرة جدا، لأنه حكم غالب من أحكام النساء، لأن الطلاق يحصل به المنع من الوطء والاستمتاع دائما، وبالإيلاء منع نفسه من الوطء مدة محصورة، فناسب ذكر غير المحصور بعد ذكر المحصور، ومشروع تربص المولي أربعة أشهر، ومشروع تربص هؤلاء ثلاثة قروء، فناسب ذكرها بعقبها، وظاهر : والمطلقات، العموم، ولكنه مخصوص بالمدخول بهن ذوات الأقراء، لأن حكم غير المدخول بها، والحامل، والآيسة منصوص عليه مخالف لحكم هؤلاء.
وروي عن ابن عباس وقتادة أن الحكم كان عاما في المطلقات، ثم نسخ الحكم من المطلقات سوى المدخول بها ذات الأقراء، وهذا ضعيف، وإطلاق العام ويراد به الخاص لا يحتاج إلى دليل لكثرته، ولا أن يجعل سؤالا وجوابا. كما قال الزمخشري، قال : فإن قلت كيف جازت إرادتهن خاصة واللفظ يقتضي العموم. قلت : بل اللفظ مطلق في تناول الجنس، صالح لكله وبعضه، فجاء في أحد ما يصلح له كالاسم المشترك. انتهى.
وما ذكره ليس بصحيح، لأن دلالة العام ليست دلالة المطلق، ولا لفظ العام مطلق في تناول الجنس صالح لكله وبعضه، بل هي دلالة على كل فرد فرد، موضوعة لهذا المعنى، فلا يصلح لكل الجنس وبعضه، لأن ما وضع عاما يتناول كل فرد فرد، ويستغرق الأفراد لا يقال فيه : إنه صالح لكله وبعضه، فلا يجيء في أحد ما يصلح له، ولا هو كالاسم المشترك، لأن الاسم المشترك له وضعان وأوضاع بإزاء مدلوليه أو مدلولاته، فلكل مدلول وضع، والعام ليس له إلّا وضع واحد على ما أوضحناه، فليس كالمشترك.