البحر المحيط، ج ٢، ص : ٥٢
معك. وقال تعالى : لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنا، ومن كان اللّه معه فهو الغالب، ولما كانت الصلاة ناشئة عن الصبر، وصار الصبر أصلا لجميع التكاليف الشاقة قال : إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ، فاندرج المصلون تحت الصابرين اندراج الفرع تحت الأصل. وأما قوله هناك : وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخاشِعِينَ «١»، فأعاد الضمير عليها على ظاهر الكلام، لأنها أشرف وأشق نتائج الصبر.
وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتٌ بَلْ أَحْياءٌ وَلكِنْ لا تَشْعُرُونَ، قيل :
سبب نزول هذه الآية أنه قيل لمن قتل في سبيل اللّه : مات فلان وذهب عنه نعيم الدنيا ولذتها، فأنزلت. نهوا عن قولهم عن الشهداء أموات، وأخبر تعالى أنهم أحياء، وارتفاع أموات وأحياء على أنه خبر مبتدأ محذوف، أي هم أموات، بل هم أحياء. ويحتمل أن يكون بل أحياء، مندرجا تحت قول مضمر، أي بل قولوا هم أحياء. لكن يرجح الوجه الأول، وهو أنه إخبار من اللّه تعالى قوله : وَلكِنْ لا تَشْعُرُونَ، لأن معناه : أن حياتهم لا شعور لكم بها، والظاهر أن المراد حقيقة الموت والحياة. وقيل : ذلك مجاز. واختلفوا فقيل : أموات بانقطاع الذكر، بل أحياء ببقائه وثبوت الأجر. وكانت العرب تسمي من لا يبقى له ذكر بعد موته كالولد، وغيره ميتا. وقيل : أموات بالضلال، بل أحياء بالطاعة والهدى، كما قال : أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ «٢». وإذا حمل الموت والحياة على الحقيقة فاختلفوا، فقال قوم : معناه النهي عن قول الجاهلية أنهم لا يبعثون، فالمعنى : أنهم سيحيون بالبعث، فيثابون ثواب الشهداء الذين قتلوا في سبيل اللّه. وأكثر أهل العلم على أنهم أحياء في الوقت. ومعنى هذه الحياة : بقاء أرواحهم دون أجسادهم، إذ أجسادهم نشاهد فسادها وفناءها. واستدلوا على بقاء الأرواح بعذاب القبر، وبقوله : وَلكِنْ لا تَشْعُرُونَ معناه : لا تشعرون بكيفية حياتهم. ولو كان المعنى بإحياء أنهم سيحيون يوم القيامة، أو أنهم على هدى ونور، لم يظهر لنفي الشعور معنى، إذ هو خطاب للمؤمنين، وهم قد علموا بالبعث، وبأنهم كانوا على هدى. فلا يقال فيه : ولكن لا تشعرون، لأنهم قد شعروا به وبقوله : وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ «٣».
وقد ذهب بعض الناس إلى أن الشهيد حي الجسد والروح، ولا يقدح في ذلك عدم الشعور به من الحي غيره. فنحن نراهم على صفة الأموات وهم أحياء، كما قال تعالى :
(١) سورة البقرة : ٢/ ٤٥.
(٢) سورة الأنعام : ٦/ ١٢٢.
(٣) سورة آل عمران : ٣/ ١٧٠.