البحر المحيط، ج ٢، ص : ٥٢٨
ودوام الصحبة، وقع في بعض نفوس المؤمنين أن من طلق قبل البناء يكون قد أوقع جزأ من هذا المكروه، فرفع اللّه الجناح في ذلك، إذا كان أصل النكاح على المقصد الحسن.
ما لَمْ تَمَسُّوهُنَّ قرأ حمزة والكسائي : تماسوهنّ، مضارع ماس، فاعل. وقرأ باقي السبعة مضارع مسست، وفاعل : يقتضى اشتراك الزوجين في المسيس، ورجح أبو علي قراءة : تمسوهنّ، بأن أفعال هذا الباب جاءت ثلاثية، نحو : نكح، وسفد، وفزع، ودقط، وضرب الفحل، والقرابان حسنتان، والمس هنا والمماسة : الجماع، كقوله : وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ «١» و : ما، في قوله : ما لَمْ تَمَسُّوهُنَّ الظاهر أنها ظرفية مصدرية، التقدير : زمان عدم المسيس كقول الشاعر :
إني بحبلك واصل حبلي وبريش نبلك رائش نبلي
ما لم أجدك على هدى أثر يقرو مقصك قائف قبلي
وهذه ما، الظرفية المصدرية، شبيهة بالشرط، وتقتضي التعميم نحو : أصحبك ما دمت لي محسنا، فالمعنى : كل وقت دوام إحسان. وقال بعضهم : ما، شرطية، ثم قدرها بأن، وأراد بذلك، واللّه أعلم، تفسير المعنى، و : ما إذا كانت شرطا تكون اسما غير ظرف زمان ولا مكان، ولا يتأتى هنا أن تكون شرطا بهذا المعنى.
وزعم ابن مالك أن : ما، تكون شرطا ظرف زمان وقد رد ذلك عليه ابنه بدر الدين محمد في بعض تعاليقه، وتأول ما استدل به والده، وتأولنا نحن بعض ذلك، بخلاف تأويل ابنه، وذلك كله ذكرناه في كتاب (التكميل) من تأليفنا. على أن ابن مالك ذكر أن ما ذهب إليه لا يقوله النحويون، وإنما استنبط هو ذلك من كلام الفصحاء على زعمه.
وزعم بعضهم أن : ما، في قوله ما لَمْ تَمَسُّوهُنَّ اسما موصولا والتقدير : إن طلقتم النساء اللاتي لم تمسوهنّ، فلا يكون لفظ. ما، شرطا، وهذا ضعيف، لأن : ما، إذ ذاك تكون وصفا للنساء، إذ قدرها بمعنى اللاتي، و : ما، من الموصولات التي لا يوصف بها بخلاف الذي والتي.
وكنى بالمسيس عن المجامعة تأديبا لعباده في اختيار أحسن الألفاظ فيما يتخاطبون.
أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً الفريضة هنا هو الصداق، وفرضه تسميته.
(١) سورة آل عمران : ٣/ ٤٧ ومريم : ١٩/ ٢٠.