البحر المحيط، ج ٢، ص : ٥٣٦
فنصف ما فرضتم، معناه : عليكم نصف ما فرضتم في كل حال إلّا في حال عفوهن عنكم، فلا يجب، وإن كان التقدير : فلهن نصف فالواجب ما فرضتم، فكذلك أيضا وكونه استثناء من الأحوال ظاهر، ونظيره : لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلَّا أَنْ يُحاطَ بِكُمْ «١» إلّا أن سيبويه منع أن تقع أن وصلتها حالا، فعلى قول سيبويه يكون : إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ استثناء منقطعا.
وقرأ الحسن : إلّا أن يعفونه، والهاء ضمير النصف، والأصل : يعفون عنه، أي : عن النصف، فلا يأخذنه. وقال بعضهم : الهاء للاستراحة، كما تأول ذلك بعضهم في قول الشاعر :
هم الفاعلون الخير والآمرونه على مدد الأيام ما فعل البر
وحركت تشبيها بهاء الضمير. وهو توجيه ضعيف.
وقرأ ابن أبي إسحاق : إلّا أن تعفون، بالتاء بثنتين من أعلاها، وذلك على سبيل الالتفات، إذ كان ضميرهن غائبا في قوله : لهن، وما قبله فالتفت إليهن وخاطبهن، وفي خطابه لهن، وجعل ذلك عفوا ما يدل على ندب ذلك واستحبابه.
وفرق الزمخشري بين قولك : الرجال يعفون، والنساء يعفون، بأن الواو في الأول ضمير، والنون علامة الرفع، والواو في الثاني لام الفعل والنون ضميرهن، والفعل مبني لا أثر في لفظه للعامل. انتهى. فرقه، وهذا من النحو الجلي الذي يدرك بأدنى قراءة في هذا العلم، ونقصه أن يبين أن لام الفعل في الرجال : يعفون، حذفت لالتقائها ساكنة مع واو الضمير، وأن يذكر خلافا في نحو النساء يعفون، فذهب ابن درستويه من المتقدّمين، والسهيلي من المتأخرين، إلى أن الفعل إذا اتصلت به نون الإناث معرب لا مبني، وينسب ذلك إلى كلام سيبويه. والكلام على هذه المسألة موضح في علم النحو.
وظاهر قوله : إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ العموم في كل مطلقة قبل المسيس، وقد فرض لها، فلها أن تعفو. قالوا : وأريد هنا بالعموم الخصوص، وكل امرأة تملك أمر نفسها لها أن تعفو، فأما من كانت في حجاب أو وصي فلا يجوز لها العفو، وأما البكر التي لا وليّ لها، فقال ابن عباس، وجماعة من التابعين والفقهاء : يجوز ذلك لها، وحكى سحنون، عن ابن القاسم : أنه لا يجوز ذلك لها.
(١) سورة يوسف : ١٢/ ٦٦.