البحر المحيط، ج ٢، ص : ٥٥١
إقامته أمن، فكان السفر مظنة الخوف، كما أن دار الإقامة محل الأمن. وقيل : معنى فإذا أمنتم أي : زال خوفكم الذي ألجأكم إلى هذة الصلاة. وقيل : فإذا كنتم آمنين، أي : متى كنتم على أمن قبل أو بعد..
فَاذْكُرُوا اللَّهَ بالشكر والعبادة كَما عَلَّمَكُمْ أي : أحسن إليكم بتعليمكم ما كنتم جاهليه من أمر الشرائع، وكيف تصلون في حال الخوف وحال الأمن.
و : ما، مصدرية، و : الكاف، للتشبيه.
أمر أن يذكروا اللّه تعالى ذكرا يعادل ويوازي نعمة ما علمهم، بحيث يجتهد الذاكر في تشبيه ذكره بالنعمة في القدر والكفاءة، وإن لم يقدر على بلوغ ذلك.
ومعنى : كما علمكم، كما أنعم عليكم فعلمكم، فعبر بالمسبب عن السبب، لأن التعليم ناشىء عن إنعام اللّه على العبد وإحسانه له.
وقد تكون الكاف للتعليل، أي : فاذكروا اللّه لأجل تعليمه إياكم أي : يكون الحامل لكم على ذكره وشكره وعبادته تعليمه إياكم، لأنه لا منحة أعظم من منحة العلم.
ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ ما : مفعول ثان لعلمكم، وفيه الامتنان بالتعليم على العبد، وفي قوله : ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ إفهام أنكم علمتم شيئا لم تكونوا لتصلوا لإدراكه بعقولكم لو لا انه تعالى علمكموه، أي : أنكم لو تركتم دون تعليم لم تكونوا لتعلموه أبدا.
وحكى النقاش وغيره أن معنى : فَاذْكُرُوا اللَّهَ أي صلوا الصلاة التي قد علمتموها، أي : صلاة تامة بجميع شروطها وأركانها وتكون : ما، في : كَما عَلَّمَكُمْ موصولة أي : فصلوا الصلاة كالصلاة التي علمكم، وعبر بالذكر عن الصلاة والكاف إذ ذاك للتشبيه بين هيئتي الصلاتين : الصلاة التي كانت أولا قبل الخوف، والصلاة التي كانت بعد الخوف في حالة الأمن.
قال ابن عطية : وعلى هذا التأويل : ما لَمْ تَكُونُوا بدل من : ما، التي في قوله :
كما، وإلّا لم يتسق لفظ الآية. انتهى. وهو تخريج يمكن، وأحسن منه أن يكون بدلا من الضمير المحذوف في علمكم العائد على ما، إذ التقدير علمكموه، أي : علمكم ما لم تكونوا تعلمون.
وقد أجاز النحويون : جاءني الذي ضربت أخاك، أي ضربته أخاك، على البدل من الضمير المحذوف