البحر المحيط، ج ٢، ص : ٥٧
أَزِفَتِ الْآزِفَةُ «١»، إِذا وَقَعَتِ الْواقِعَةُ «٢»
والمصيبة : كل ما أذى المؤمن في نفس أو مال أو أهل، صغرت أو كبرت، حتى انطفاء المصباح لمن يحتاجه يسمى : مصيبة. وروي ذلك عن النبي صلى اللّه عليه وسلم، أنه استرجع عند انطفاء مصباحه.
والمعنى في إذا هنا : على التكرار والعموم. وقد تقدم لنا ذكر الخلاف في إذا، أتدل على التكرار، أم وضعت للمرّة الواحدة؟
قولان للنحويين.
قالُوا إِنَّا لِلَّهِ : قالوا : جواب إذا، والشرط وجوابه صلة للذين. وإنا : أصله إننا، لأنها إن دخلت على الضمير المنصوب المتصل، فحذفت نون من إن. وينبغي أن تكون المحذوفة هي الثانية، لأنها ظرف، ولأنها عهد فيها الحذف إذا خففت، فقالوا : إن زيد لقائم، وهو حذف هنا لاجتماع الأمثال، فلذلك عملت، إذ لو كان من الحذف لا لهذه العلة، لا نفصل الضمير وارتفع ولم تعمل، لأنها إذا خففت هذا التخفيف لم تعمل في الضمير. وللّه : معناه الإقرار بالملك والعبودية للّه، فهو المتصرّف فينا بما يريد من الأمور.
وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ : إقرار بالبعث وتنبيه على مصيبة الموت التي هي أعظم المصائب، وتذكير أن ما أصاب الإنسان دونها فهو قريب ينبغي أن يصبر له. وللمفسرين في هاتين الجملتين المقولتين أقوال : أحدها : أن نفوسنا وأموالنا وأهلينا للّه لا يظلمنا فيما يصنعه بنا. الثاني : أسلمنا الأمر للّه ورضينا بقضائه، وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ يعني : للبعث لثواب المحسن ومعاقبة المسيء. الثالث : راجعون إليه في جبر المصاب وإجزال الثواب.
الرابع : أن معناه إقرار بالمملكة في قوله : إِنَّا لِلَّهِ، وإقرار بالهلكة في قوله : وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ.
وفي المنتخب ما ملخصه : إن إسناد الإصابة إلى المصيبة، لا إلى اللّه تعالى، ليعم ما كان من اللّه، وما كان من غيره. فما كان من اللّه فهو داخل تحت قوله : إِنَّا لِلَّهِ، لأن في الإقرار بالعبودية تفويضا للأمور إليه، وما كان من غيره فتكليفه أن يرجع إلى اللّه في الإنصاف منه، ولا يتعدى، كأنه في الأول إِنَّا لِلَّهِ، يدبر كيف يشاء، وفي الثاني : إِنَّا إِلَيْهِ، ينصف لنا كيف يشاء. وقيل : إِنَّا لِلَّهِ، دليل على الرضا بما نزل به في الحال، وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ، دليل على الرضا في الحال بكل ما سينزل به بعد ذلك. واشتملت الآية على فرض ونفل. فالفرض : التسليم لأمر اللّه، والرضا بقدره، والصبر على أداء
(١) سورة النجم : ٥٣/ ٥٧. [.....]
(٢) سورة الواقعة : ٥٦/ ١.