البحر المحيط، ج ٢، ص : ٦٩٣
فعلى هذا يكون القدير : وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء يكن زيادة خير للإخفاء على خير للإبداء وتكفير.
وقال المهدوي : في نصب الراء : هو مشبه بالنصب في جواب الاستفهام، إذ الجزاء يجب به الشيء لوجوب غيره كالاستفهام.
وقال ابن عطية : بالجزم في الراء أفصح هذه القراآت لأنها تؤذن بدخول التكفير في الجزاء، وكونه مشروطا إن وقع الإخفاء، وأما رفع الراء فليس فيه هذا المعنى. انتهى.
ونقول : إن الرفع أبلغ وأعم، لأن الجزم يكون على أنه معطوف على جواب الشرط الثاني، والرفع يدل على أن التكفير مترتب من جهة المعنى على بذل الصدقات، أبديت أو أخفيت، لأنا نعلم أن هذا التكفير متعلق بما قبله، ولا يختص التكفير بالإخفاء فقط، والجزم يخصصه به، ولا يمكن أن يقال : إن الذي يبدي الصدقات لا يكفر من سيئآته، فقد صار التكفير شاملا للنوعين من إبداء الصدقات وإخفائها، وإن كان الإخفاء خيرا من الإبداء.
و : من، في قوله : من سيئآتكم، للتبعيض، لأن الصدقة لا تكفر جميع السيئات.
وحكى الطبري عن فرقة قالت : من، زائدة في هذا الموضع. قال ابن عطية : وذلك منهم خطأ، وقول من جعلها سببية وقدر : من أجل ذنوبكم، ضعيف.
وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ختم اللّه بهذه الصفة لأنها تدل على العلم بما لطف من الأشياء وخفي، فناسب الرفع ختمها بالصفة المتعلقة بما خفي، واللّه أعلم.
لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ اختلف النقل في سبب نزول هذه الآية، ومضمونها أن من أسلم كره أن يتصدق على قريبه المشرك، أو على المشركين، أو نهاهم النبي صلى اللّه عليه وسلم من التصدق عليهم، أو امتنع هو من ذلك، وقد سأله يهودي، فنزلت هذه الآية.
وظاهر الهدى أنه مقابل الضلال، وهو مصدر مضاف للمفعول، أي : ليس عليك أن تهديهم، أي : خلق الهدى في قلوبهم، وأما الهدى بمعنى الدعاء فهو عليه، وليس بمراد هنا. وفي ذلك تسلية للنبي صلى اللّه عليه وسلم، وهو نظير : إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلاغُ «١» فالمعنى : ليس

_
(١) سورة الشورى : ٤٢/ ٤٨.


الصفحة التالية
Icon