البحر المحيط، ج ٢، ص : ٦٩٥
عليكم، فلا تمنوا به، ولا تؤذوا الفقراء، ولا تبالوا بمن صادفتم من مسلم أو كافر، فإن ثوابه إنما هو لكم. وقال سفيان بن عيينة : معنى : فلأنفسكم، فلأهل دينكم، كقوله تعالى :
فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ «١» وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ «٢» أي : أهل دينكم، نبه على أن حكم الفرض من الصدقة بخلاف حكم التطوّع، فإن الفرض لأهل دينكم دون الكفار.
وحكي عن بعض أهل العلم أنه كان يصنع كثيرا من المعروف، ثم يحلف أنه ما فعل مع أحد خيرا قط، فقيل له في ذلك، فقال : إنما فعلت مع نفسي، ويتلو هذه الآية.
وروي عن عليّ، كرم اللّه وجهه، أنه كان يقول : ما أحسنت إلى أحد قط، ولا أسأت له ثم يتلو : إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها «٣»
. وَما تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ اللَّهِ أي : وما تنفقون النفقة المعتد لكم قبولها إلّا ما كان إنفاقه لابتغاء وجه اللّه، فإذا عريت من هذا القصد فلا يعتد بها فهذا خبر شرط فيه محذوف أي : وما تنفقون النفقة المعتدة القبول، فيكون هذا الخطاب للأمة. وقيل : هو خير من اللّه أن نفقتهم أي : نفقة الصحابة، رضي اللّه عنهم، ما وقعت إلّا على الوجه المطلوب من ابتغاء وجه اللّه، فتكون هذه شهادة لهم من اللّه بذلك، وتبشيرا بقبولها، إذ قصدوا بها وجه اللّه تعالى، فخرج هذا الكلام مخرج المدح والثناء، فيكون هذا الخطاب خاصا بالصحابة.
وقال الزمخشري : وليست نفقتكم إلّا لابتغاء وجه اللّه، ولطلب ما عنده، فما لكم تمنون بها وتنفقون الخبيث الذي لا يوجه مثله إلى اللّه؟ وهذا فيه إشارة إلى مذهب المعتزلة، من أن الصدقة وقعت صحيحة، ثم عرض لها الإبطال. بخلاف قول غيرهم : إن المن والأذى قارنها. وقيل : هو نفي معناه النهي، أي : ولا تنفقوا إلّا ابتغاء وجه اللّه، ومجازه أنه : لما نهى عن أن يقع الإنفاق إلّا لوجه اللّه، حصل الامتثال، وإذا حصل الامتثال، فلا يقع الإنفاق إلّا لإبتغاء وجه اللّه، فعبر عن النهي بالنفي لهذا المعنى.
وانتصاب ابتغاء على أنه مفعول من أجله، وقيل : هو مصدر في موضع الحال تقديره : مبتغين، وعبر بالوجه عن الرضا، كما قال : ابتغاء مرضاة اللّه، وذلك على عادة

_
(١) سورة النور : ٢٤/ ٦١. [.....]
(٢) سورة النساء : ٤/ ٢٩.
(٣) سورة الإسراء : ١٧/ ٧.


الصفحة التالية
Icon