البحر المحيط، ج ٢، ص : ٦٩٧
النفقة. وقيل : تتعلق اللام بفعل محذوف، تقديره : أعجبوا للفقراء، أو اعمدوا للفقراء، واجعلوا ما تنفقون للفقراء، وأبعد القفال في تقدير : إن تبدوا الصدقات للفقراء، وكذلك من علقه بقوله : وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ وكذلك من جعل : للفقراء، بدلا من قوله :
فلأنفسكم، لكثرة الفواصل المانعة من ذلك.
لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الْأَرْضِ أي تصرفا فيها، إمّا لزمنهم وإمّا لخوفهم من العدو لقلتهم، فقلتهم تمنعهم من الاكتساب بالجهاد، وانكار الكفار عليهم إسلامهم يمنعهم من التصرف في التجارة، فبقوا فقراء.
وهذه الجملة المنفية في موضع الحال، أي : أحصروا عاجزين عن التصرف. ويجوز أن تكون مستأنفة، لا موضع لها من الإعراب.
يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ أَغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ. قرأ ابن عامر، وعاصم، وحمزة، بفتح السين حيث وقع، وهو القياس، لأن ماضيه على فعل بكسر العين. وقرأ باقي السبعة بكسرها، وهو مسموع في ألفاظ، منها : عمد يعمد ويعمد وقد ذكرها النحويون، والفتح في السين لغة تميم، والكسر لغة الحجاز، والمعنى : أنهم لفرط انقباضهم، وترك المسألة، واعتماد التوكل على اللّه تعالى، يحسبهم من جهل أحوالهم أغنياء، و : من، سببية، أي الحامل على حسبانهم أغنياء هو تعففهم، لأن عادة من كان غني مال أن يتعفف، ولا يسأل، ويتعلق، بيحسبهم وجر المفعول له هناك بحرف السبب، لانخرام شرط من شروط المفعول له من أجله وهو اتحاد الفاعل، لأن فاعل يحسب هو : الجاهل، وفاعل التعفف هو : الفقراء. وهذا الشرط هو على الأصح، ولو لم يكن هذا الشرط منخرما لكان الجر بحرف السبب أحسن في هذا المفعول له، لأنه معرف بالألف واللام، وإذا كان كذلك فالأكثر في لسان العرب أن يدخل عليه حرف السبب، وإن كان يجوز نصبه، لكنه قليل كما أنشدوا.
لا أقعد الجبن عن الهيجاء أي : للجبن، وإنما عرف المفعول له، هنا لأنه سبق منهم التعفف مرارا، فصار معهودا منهم. وقيل : من، لابتداء الغاية، أي من تعففهم ابتدأت محسبته، لأن الجاهل بهم لا يحسبهم أغنياء غنى تعفف، وإنما يحسبهم أغنياء مال، فمحسبته من التعفف ناشئة، وهذا على أنهم متعففون عفة تامة من المسألة، وهو الذي عليه جمهور المفسرين،