البحر المحيط، ج ٢، ص : ٧٥٦
وقال ابن عباس في رواية أخرى، وابن جبير، والضحاك، وعطاء : إن جبريل نزل عليه بهما بالمدينة، وهي ردّ على من يقول : إن شاء اللّه في إيمانه، لأن اللّه تعالى شهد بإيمان المؤمنين، فالشك فيه شك في علم اللّه تعالى. انتهى كلامه.
والألف واللام في : الرسول، هي للعهد، وهو رسولنا محمد صلى اللّه عليه وسلم، وقد كثر في القرآن تسميته من اللّه بهذا الاسم الشريف، وما أنزل إليه من ربه شامل لجميع ما أنزل إليه من اللّه تعالى : من العقائد، وأنواع الشرائع، وأقسام الأحكام في القرآن، وفي غيره. آمن بأن ذلك وحي من اللّه وصل إليه، وقدّم الرسول لأن إيمانه هو المتقدّم وإيمان المؤمنين متأخر عن إيمانه، إذ هو المتبوع وهم التابعون في ذلك.
وروي أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، لما نزلت عليه، قال :«يحق له أن يؤمن».
والظاهر أن يكون قوله : والمؤمنون، معطوفا على قوله : الرسول، ويؤيده
قراءة علي، وعبد اللّه : وآمن المؤمنون
، فأظهر الفعل الذي أضمره غيره من القراء، فعلى هذا يكون :
كل، لشمول الرسول والمؤمنين، وجوزوا أن يكون الوقف تم عند قوله : من ربه، ويكون :
المؤمنون، مبتدأ، و : كل، مبتدأ ثان لشمول المؤمنين خاصة. و : آمن باللّه، جملة في موضع خبر : كل، والجملة، من : كل وخبره، في موضع خبر المؤمنين، والرابط لهذه الجملة بالمبتدأ الأوّل محذوف، وهو ضمير مجرور تقديره : كل منهم آمن، كقولهم :
السمن منوان بدرهم، يريدون : منه بدرهم، والإيمان باللّه هو : التصديق به، وبصفاته، ورفض الأصنام، وكل معبود سواه. والإيمان بملائكته هو اعتقاد وجودهم، وأنهم عباد اللّه، ورفض معتقدات الجاهلية فيهم، والإيمان بكتبه هو التصديق بكل ما أنزل على الأنبياء الذين تضمنهم كتاب اللّه، وما أخبر به رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من ذلك، والإيمان برسله هو التصديق بأن اللّه أرسلهم لعباده.
وهذا الترتيب في غاية الفصاحة، لأن الإيمان باللّه هو المرتبة الأولى، وهي التي يستبد بها العقل إذ وجود الصانع يقربه كل عاقل، والإيمان بملائكته هي المرتبة الثانية، لأنهم كالوسائط بين اللّه وعباده، والإيمان بالكتب هو الوحي الذي يتلقنه الملك من اللّه، يوصله إلى البشر، هي المرتبة الثالثة، والإيمان بالرسل الذين يقتبسون أنوار الوحي فهم متأخرون في الدرجة عن الكتب، هي المرتبة الرابعة وقد تقدّم الكلام على شيء من هذا


الصفحة التالية
Icon