البحر المحيط، ج ٢، ص : ٧٥٨
أربد به العموم، وحمل على اللفظ في قوله : آمن، فأفرد كقوله قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ «١».
وقرأ يحيي بن يعمر : وكتبه ورسله، بإسكان التاء والسين، وروي ذلك عن نافع. وقرأ الحسن : ورسله، بإسكان السين، وهي رواية عن أبي عمرو وقرأ عبد اللّه : وكتابه ولقائه ورسله.
لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ قرأ الجمهور بالنون، وقدره : يقولون لا نفرق، ويجوز أن يكون التقدير : يقول لا نفرق، لأنه يخبر عن نفسه. وعن غيره، فيكون : يقول، على اللفظ، و : يقولون، على المعنى بعد الحمل على اللفظ، وعلى كلا التقديرين فموضع هذا المقدر نصب على الحال، وجوّز الحوفي وغيره أن يكون خبرا بعد خبر لكل.
وقرأ ابن جبير، وابن يعمر، وأبو زرعة بن عمرو بن جرير، ويعقوب، ونص رواة أبي عمرو : لا يفرق، بالياء على لفظ : كل.
قال هارون : وهي في مصحف أبيّ، وابن مسعود : لا يفرقون، حمل على معنى :
كل بعد الحمل على اللفظ، والمعنى : أنهم ليسوا كاليهود والنصارى يؤمنون ببعض ويكفرون ببعض.
والمقصود من هذا الكلام إثبات النبوّة، وهو ظهور المعجزة على وفق الدعوى فاختصاص بعض دون بعض متناقض، لا ما ادعاه بعضهم من أن المقصود هو عدم التفضيل بينهم، و : أحد، هنا هي المختصة بالنفي، وما أشبهه؟ فهي للعموم، فلذلك دخلت : من، عليها كقوله تعالى : فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ «٢» والمعنى بين آحادهم. قال الشاعر :
إذا أمور الناس ديكت دوكا لا يرهبون أحدا رأوكا
قال بعضهم : وأحد، قيل : إنه بمعنى جميع، والتقدير : بين جميع رسله، ويبعد عندي هذا التقدير، لأنه لا ينافي كونهم مفرقين بين بعض الرسل. والمقصود بالنفي هو هذا، لأن اليهود والنصارى ما كانوا يفرقون بين كل الرسل، بل البعض، وهو محمد صلى اللّه عليه وسلم، فثبت أن التأويل الذي ذكره باطل، بل معنى الآية : لا يفرق أحد من رسله وبين غيره في النبوّة. انتهى. وفيه
(١) سورة الإسراء : ١٧/ ٨٤.
(٢) سورة الحاقة : ٦٩/ ٤٧.