البحر المحيط، ج ٢، ص : ٩٥
على شيء من المذهبين. لأنك إذا قلت : ما زيد بمنطلق، وإنما في ذلك دلالة على نفي انطلاق زيد، وأما أن في ذلك دلالة على اختصاصه بنفي الانطلاق، أو مشاركة غيره له في نفي الانطلاق، فلا إنما يفهم ذلك، أعني الاختصاص، بنفي الخروج من النار، إذ المشاركة في ذلك من دليل خارج، وهل النفي إلا مركب على الإيجاب؟ فإذا قلت : زيد منطلق، فليس في هذا دليل على شيء من الاختصاص، ولا شيء من المشاركة، فكذلك النفي، وكونه قابلا للخصومة والاشتراك، يدل على ذلك. ألا ترى أنك تقول : زيد منطلق لا غيره، وزيد منطلق مع غيره؟.
وقد تضمنت هذه الآيات الشريفة. إخباره تعالى بأن الصفا والمروة من معالمه التي جعلها محملا لعبادته، وإن كان قد سبق غشيان المشركين لها، وتقربهم بالأصنام عليها.
وصرّح برفع الإثم عمن طاف بهما ممن حج أو اعتمر. ثم ذكر أن من تبرع بخير، فإن اللّه شاكر لفعله، عليم بنيته، لما كان التطوّع يشتمل على فعل ونية، ختم بهاتين الصفتين المتناسبتين. ثم أخبر تعالى عمن كتم ما أنزل اللّه من الحكم الإلهي من بعد ما بينه في كتابه، لعنه اللّه وملائكته ومن يسوغ منه اللعن من صالحي عباده. ثم استثنى من تاب وأصلح، وبين ما كتم. ولم يكتف بالتوبة فقط حتى أضاف إليها الإصلاح، لأن كتم ما أنزل اللّه من أعظم الإفساد، إذ فيه حمل الناس على غير المنهج الشرعي. وأضاف التبيين لما كتم حتى يتضح للناس وضوحا بينا ما كان عليه من الضلال، وأنه أقلع عن ذلك، وسلك نقيض فعله الأول، فكان ذلك أدعى لزوال ما قرر أولا من كتمان الحق.
وبضدها تتبين الأشياء ثم أخبر تعالى عن هؤلاء المستثنين، أنه يتوب عليهم، وأنه تعالى لا يتعاظم عنده ذنب، وإن كان أعظم الذنوب، إذا تاب العبد منه. ثم أخبر تعالى أنه التواب الرحيم، بصفتي المبالغة التي في فعال وفعيل. ولما ذكر تعالى حال المؤمنين المتسمين بالصبر والصلاة والحج، وغير ذلك من أعمال البر، وحال من ارتكب المعاصي، ثم أقلع عن ذلك وتاب إلى اللّه. ذكر حال من وافى على الكفر، وأنه تحت لعنة اللّه وملائكته والناس، وأنهم خالدون في اللعنة، غير مخفف عنهم العذاب، ولا مرجئون إلى وقت. ثم لما كان كفر معظم الكفار إنما هو لاتخاذهم مع اللّه آلهة أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً «١»؟ أَأَنْتَ قُلْتَ
(١) سورة ص : ٣٨/ ٥.