البحر المحيط، ج ٣، ص : ١٥٥
في الدنيا بالطاعة، وفي الآخرة بالشفاعة. وقيل : في الدنيا بإحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص، وفي الآخرة بالشفاعة. وقيل : في الدنيا كريما لا يرد وجهه، وفي الآخرة في عليه المرسلين. وقال الزمخشري : الوجاهة في الدنيا النبوة والتقدم على الناس، وفي الآخرة الشفاعة وعلو الدرجة في الجنة. وقال ابن عطية : وجاهة عيسى في الدنيا نبوته وذكره ورفعه، وفي الآخرة مكانته ونعيمه وشفاعته.
وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ معناه من اللّه تعالى. وقال الزمخشري : وكونه من المقرّبين رفع إلى السماء وصحبته الملائكة. وقال قتادة : ومن المقربين عند اللّه يوم القيامة. وقيل : من الناس بالقبول والإجابة، قاله الماوردي. وقيل : معناه : المبالغ في تقريبهم، لأن فعل من صيغ المبالغة، فقال : قرّبه يقرّبه إذا بالغ في تقريبه انتهى. وليس فعل هنا من صيغ المبالغة، لأن التضعيف هنا للتعدية، إنما يكون للمبالغة في نحو : جرّحت زيدا و : موّت الناس.
وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ معطوف على قوله : وجيها، وتقديره : ومقربا من جملة المقربين.
أعلم تعالى أن ثمّ مقربين، وأن عيسى منهم. ونظير هذا العطف قوله تعالى :
وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ وَبِاللَّيْلِ
«١» فقوله : وبالليل، جار ومجرور في موضع الحال، وهو معطوف على : مصبحين، وجاءت هذه الحال هكذا لأنها من الفواصل، فلو جاء : ومقربا، لم تكن فاصلة، وأيضا فأعلم تعالى أن عيسى مقرب من جملة المقربين، والتقريب صفة جليلة عظيمة. ألا ترى إلى قوله : لَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ
؟ «٢» وقوله :
فَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ فَرَوْحٌ؟ «٣» وهو تقريب من اللّه تعالى بالمكانة والشرف وعلو المنزلة.
وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وعطف : ويكلم، وهو حال أيضا على : وجيها، ونظيره : إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ «٤» أي : وقابضات. وكذلك : ويكلم، أي :
ومكلما. وأتى في الحال الأول بالاسم لأن الاسم هو للثبوت، وجاءت الحال الثانية جارا ومجرورا لأنه يقدر بالاسم. وجاءت الحال الثالثة جملة لأنها في الرتبة الثالثة. ألا ترى أن

_
(١) سورة الصافات : ٣٧/ ١٣٧.
(٢) سورة النساء : ٤/ ١٧٢.
(٣) سورة الواقعة : ٥٦/ ٨٨ و٨٩.
(٤) سورة الملك : ٦٧/ ١٩.


الصفحة التالية
Icon