البحر المحيط، ج ٣، ص : ١٥٧
قوله : وَجَعَلَنِي نَبِيًّا «١» إخبارا عما يؤول إليه بدليل قوله : وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ «٢» ولم يتعرض لوقت كلامه إذا كان كهلا، فقيل : كلامه قبل رفعه إلى السماء كلمهم بالوحي والرسالة.
وقيل : ينزل من السماء كهلا ابن ثلاث وثلاثين سنة، فيقول لهم : إني عبد اللّه، كما قال في المهد، وهذه فائدة قوله : وكهلا، أخبر أنه ينزل عند قتله الدجال كهلا، قاله ابن زيد. وقال الزمخشري : معناه : ويكلم الناس في هاتين الحالتين كلام الأنبياء من غير تفاوت بين حال الطفولة وحال الكهولة التي يستحكم فيها العقل، وينبأ فيها الأنبياء. انتهى.
قيل : وتكلم في المهد سبعة : عيسى، ويحيى، وشاهد يوسف، وصاحب جريج.
وصبي ماشطة امرأة فرعون، وصاحب الجبار، وصاحب الأخدود، وقصص هؤلاء مروية، ولا يعارض هذا ما جاء من حصر من تكلم رضيعا في ثلاثة، لأن ذلك كان إخبارا قبل أن يعلم بالباقين، فأخبر على سبيل ما أعلم به أولا، ثم أعلم بالباقين.
وَمِنَ الصَّالِحِينَ أي : وصالحا من جملة الصالحين، وتقدم تفسير الصلاح الموصوف به الأنبياء.
وانتصاب : وجيها، وما عطف عليه على الحال من قوله : بكلمة منه، وحسن ذلك، وإن كان نكرة، كونه وصف بقوله : منه، وبقوله : منه، وبقوله : اسمه المسيح.
قالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ لما أخبرتها الملائكة أن اللّه بشرها بالمسيح، نادت ربها، وهو اللّه، مستفهمة على طريق التعجب من حدوث الولد من غير أب إذ ذاك من الأمور الموجبة للتعجب، وهذه القضية أعجب من قضية زكريا، لأن قضية زكريا حدث منها الولد بين رجل وامرأة، وهنا حدث من امرأة بغير واسطة بشر، ولذلك قالت : وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ.
وقيل : استفهمت عن الكيفية، كما سأل زكريا عن الكيفية، تقديره : هل يكون ذلك على جري العادة بتقدم وطء؟ أم بأمر من قدرة اللّه؟.
وقال الانباري : لما خاطبها جبريل ظنته آدميا يريد بها سوأ، ولهذا قالت : إِنِّي أَعُوذُ
(١) سورة مريم : ١٩/ ٣٠.
(٢) سورة مريم : ١٩/ ٣١.