البحر المحيط، ج ٣، ص : ١٦
وقرأ الحسن : والإنجيل، بفتح الهمزة، وهذا يدل على أنه أعجمي، لأن أفعيلا ليس من أبنية كلام العرب، بخلاف إفعيل، فإنه موجود في أبنيتهم : كإخريط، وإصليت.
وتعلق : من قبل، بقوله : وأنزل، والمضاف إليه المحذوف هو الكتاب المذكور، أي : من قبل الكتاب المنزل عليك وقيل : التقدير من قبلك، فيكون المحذوف ضمير الرسول. وغاير بين نزل وأنزل، وإن كانا بمعنى واحد، إذ التضعيف للتعدية، كما أن الهمزة للتعدية.
وقال الزمخشري :
فإن قلت لم قيل : نزل الكتاب، وأنزل التوراة والإنجيل؟.
قلت : لأن القرآن نزل منجما، ونزل الكتابان جملة. انتهى. وقد تقدم الرد على هذا القول. وأن التعدية بالتضعيف لا تدل على التكثير، ولا التنجيم، وقد جاء في القرآن : نزل وأنزل، قال تعالى : وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ «١» وأَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ ويدل على أنهما بمعنى واحد قراءة من قرأ ما كان : ممن ينزل، مشددا بالتخفيف، إلّا ما استثنى، فلو كان أحدهما يدل على التنجيم، والآخر يدل على النزول دفعة واحدة، لتناقض الإخبار. وهو محال.
هُدىً لِلنَّاسِ قيل : هو قيد في الكتاب والتوراة والإنجيل. والظاهر أنه قيد في التوراة والإنجيل، ولم يثن لأنه مصدر. وقيل : هو قيد في الإنجيل وحده، وحذف من التوراة، ودل عليه هذا القول الذي للإنجيل وقيل : تم الكلام عند قوله مِنْ قَبْلُ ثم استأنف فقال هُدىً لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقانَ فيكون الهدى للفرقان فحسب، ويكون على هذا الفرقان القرآن، وهذا لا يجوز، لأن هدى إذ ذاك يكون معمولا لقوله : وأنزل الفرقان هدى، وما بعد حرف العطف لا يتقدم عليه، لو قلت : ضربت زيدا، مجردة و : ضربت هندا، تريد، وضربت هندا مجردة لم يجز، وانتصابه على الحال. وقيل : هو مفعول من أجله، والهدى : هو البيان، فيحتمل أن يراد أن التوراة والإنجيل هدى بالفعل، فيكون الناس هنا مخصوصا، إذ لم تقع الهداية لكل الناس، ويحتمل أن يكون أراد أنهما هدى في ذاتهما، وأنهما داعيان للهدى، فيكون الناس عاما، أي : هما منصوبان وداعيان لمن
(١) سورة النحل : ١٦/ ٤٤.