البحر المحيط، ج ٣، ص : ١٦٧
مجاهد، والزهري، وأيوب السختياني، وأبو السمال : تذخرون، بذال ساكنة وخاء مفتوحة. وقرأ أبو شعيب السوسي، في رواية عنه : وما تذدخرون، بذال ساكنة ودال مفتوحة من غير إدغام، وهذا الفك جائز. وقراءة الجمهور بالإدغام أجود، ويجوز جعل الدال ذالا، والإدغام فتقول : اذخر، بالذال المعجمة المشددة.
إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ظاهر هذه الجملة أنها من كلام عيسى لاحتفافها بكلامه من قبلها ومن بعدها، حكاه اللّه عنه. وقيل : هو من كلام اللّه تعالى، استئناف صيغته صيغة الخبر، ومعناه التوبيخ والتقريع، وأشير بذلك إلى ما تقدم من جعل الطين طائرا، والإبراء والإحياء والإنباء.
وتقدم أن في مصحف ابن مسعود : آيات، على الجمع، فمن أفرد أراد الجنس وهو صالح للقليل والكثير، ويعين المراد القرائن : اللفظية، والمعنوية، والحالية، ومن جمع فعلى الأصل، إذ هي : آيات، وهي : آية في نفسها، آمنوا أو كفروا، فيحتمل أن يكون ثمّ صفة محذوفة حتى يتجه التعليق بهذا الشرط، أي : لآية نافعة هادئة لكم إن آمنتم، ويكون خطابا لمن لم يؤمن بعد، وإن كان خطابا لمن آمن فذلك على سبيل التثبيت وتطمين النفس وهزها. كما تقول لإبنك : أطعني إن كنت ابني، ومعلوم أنه ابنك، ولكن تريد أن تهزه بذكر ما هو محقق. ذكر ما جعل معلقا به ما قبله على سبيل أن يحصل.
وَمُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ عطف و : مصدقا، على قوله : بآية إذ الباء فيه للحال، ولا تكون للتعدية لفساد المعنى، فالمعنى : وجئتكم مصحوبا بآية من ربكم، ومصدقا لما بين يدي. ومنعوا أن يكون : ومصدقا، معطوفا على : رسولا إلى بني إسرائيل، ولا على : وجيها، لما يلزم من كون الضمير في قوله : لما بين يدي، غائبا. فكان يكون :
لما بين يديه، وقد ذكرنا أنه يجوز في قوله : ورسولا، أن يكون منصوبا بإضمار فعل، أي :
وأرسلت رسولا، فعلى هذا التقدير يكون : ومصدقا، معطوفا على : ورسولا. ومعنى تصديقه للتوراة الإيمان بها وإن كانت شريعته تخالف في أشياء. قال وهب بن منبه : كان يسبت ويستقبل بيت المقدس.
وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ قال ابن جريج : أحل لهم لحوم الإبل والشحوم. وقال الربيع : وأشياء من السمك وما لا ضئضئة له من الطير، وكان ذلك في التوراة محرما.


الصفحة التالية
Icon