البحر المحيط، ج ٣، ص : ١٨٥
من مشاركة معنوية بين من ضرب به المثل، وبين من ضرب له المثل، من وجه واحد، أو من وجوه لا يشترط الاشتراك في سائر الصفات. والمعنى الذي وقعت فيه المشاركة بين آدم وعيسى كون كل واحد منهما خلق من غير أب. وقال بعض أهل العلم : المشاركة بين آدم وعيسى في خمسة عشر وصفا : في التكوين، و : في الخلق من العناصر التي ركب اللّه منها الدنيا. وفي العبودية، وفي النبوّة. وفي المحنة : عيسى باليهود، وآدم بإبليس، وفي :
أكلهما الطعام والشراب، وفي الفقر إلى اللّه. وفي الصورة، وفي الرفع إلى السماء والإنزال منها إلى الأرض، وفي الإلهام، عطس آدم فألهم، فقال الحمد للّه. وألهم عيسى، حين أخرج من بطن أمّة فقال : إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ «١» وفي العلم، قال : وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ «٢» وقال : وَيُعَلِّمُهُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ «٣» وفي نفخ الروح فيهما وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي «٤» فَنَفَخْنا فِيهِ مِنْ رُوحِنا «٥» وفي الموت، وفي فقد الأب، ومعنى : عند اللّه أي عند من يعرف حقيقة الأمر، وكيف هو. أي : هكذا هو الأمر فيما غاب عنكم ولم تطلعوا على كنهه.
والعامل في : عند، العامل في : كاف التشبيه، وهذا التشبيه هو من أحد الطرفين كما تقدّم، وهو الوجود من غير أب وهما نظيران في أن كلّا منهما أوجده اللّه خارجا عما استقر واستمرّ في العادة من خلق الإنسان متولدا من ذكر وأنثى، كما قال تعالى : يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى «٦» والوجود من غير أب وأمّ أغرب في العادة من وجود من غير أب، فشبه الغريب بالأغرب ليكون أقطع للخصم وأحسم لمادة شبهته إذا نظر فيما هو أغرب مما استغربه، وأسر بعض العلماء بالروم فقال لهم لم تعبدون عيسى؟ قالوا : لأنه لا أب له.
قال : فآدم أولى لأنه لا أبوين له. قالوا : كان يحيي الموتى. قال : فحزقيل أولى لأن عيسى أحيا أربعة نفر، وأحيا حزقيل ثمانية آلاف. فقالوا : كان يبرىء الأكمه والأبرص. قال :
فجرجيس أولى لأنه طحن وأحرق، ثم قام سالما. انتهى.
وصح
أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ردّ عين قتادة بعد ما قلعت، وردّ اللّه نورها،
وصح
أن أعمى دعا له فردّ اللّه له بصره.

_
(١) سورة مريم : ١٩/ ٣٠.
(٢) سورة البقرة : ٢/ ٣١.
(٣) سورة آل عمران : ٣/ ٤٨.
(٤) سورة الحجر : ١٥/ ٢٩ وص : ٣٨/ ٧٢.
(٥) سورة الأنبياء : ٢١/ ٩١ والتحريم : ٦٦/ ١٢.
(٦) سورة الحجرات : ٤٩/ ١٣.


الصفحة التالية
Icon