البحر المحيط، ج ٣، ص : ١٨٨
الأخفش : أن تكون : ما، مصدرية، و : من، زائدة، والتقدير : من بعد مجيء العلم إياك.
فَقُلْ تَعالَوْا قرأ الجمهور بفتح اللام وهو الأصل والقياس، إذا التقدير تفاعل، وألفه منقلبة عن ياء وأصلها واو، فإذا أمرت الواحد قلت : تعال، كما تقول : اخش واسع.
وقرأ الحسن، وأبو واقد، وأبو السمال : بضم اللام، ووجههم أن أصله : تعاليوا، كما تقول : تجادلوا، نقل الضمة من الياء إلى اللام بعد حذف فتحتها، فبقيت الياء ساكنة وواو الضمير ساكنة فخذفت الياء لإلتقاء الساكنين، وهذا تعليل شذوذ.
نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ أي : يدع كل منا ومنكم أبناءه ونساءه ونفسه إلى المباهلة. وظاهر هذا أن الدعاء والمباهلة بين المخاطب : بقل :
وبين من حاجه، وفسر على هذا الوجه : الأبناء بالحسن والحسين، و : بنسائه : فاطمة، و : الأنفس بعليّ. قال الشعبي : ويدل على أن ذلك مختص بالنبي صلّى اللّه عليه وسلّم مع من حاجه ما ثبت
في صحيح مسلم من حديث سعد بن أبي وقاص، قال : لما نزلت هذه الآية : تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ دعا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم : فاطمة وحسنا وحسينا، فقال :«اللهم هؤلاء أهلي».
وقال قوم : المباهلة كانت عليه وعلى المسلمين، بدليل ظاهر قوله ندع أبناءنا وأبناءكم على الجمع، ولما دعاهم دعا بأهل الذين في حوزته، ولو عزم نصارى نجران على المباهلة وجاؤا لها، لأمر النبي صلّى اللّه عليه وسلّم المسلمين أن يخرجوا بأهاليهم لمباهلته.
وقيل : المراد : بأنفسنا، الإخوان، قاله ابن قتيبة قال تعالى : وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ «١» أي : إخوانكم. وقيل : أهل دينه، قاله أبو سليمان الدمشقي. وقيل : الأزواج، وقيل : أراد القرابة القريبة، ذكرهما عليّ بن أحمد النيسابوري.
ثُمَّ نَبْتَهِلْ أي : ندع بالالتعان. وقيل : نتضرّع إلى اللّه، قاله ابن عباس. وقال مقاتل : نخلص في الدعاء. وقال الكلبي : نجهد في الدعاء. وقيل : نتداعى بالهلاك.
فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ أي : يقول كل منا : لعن اللّه الكاذب منا في أمر عيسى، وفي هذا دليل على جواز اللعن لمن أقام على كفره، وقد لعن صلّى اللّه عليه وسلّم اليهود. قال أبو
(١) سورة الحجرات : ٤٩/ ١١.