البحر المحيط، ج ٣، ص : ٢٤٣
على ظاهره؟ أم هو على حذف مضاف؟ أم هو مما حذف بعد النبيين وتقديره ميثاق النبيين على أممهم؟ لم يكتف بأخذ الميثاق حتى استنطقه بالإقرار بالإيمان به والنصرة له.
قيل : ويحتمل أن يكون الضمير في : قال، على كل فرد فرد من النبيين، أي : قال كل نبي لأمته، أأقررتم، ومعنى هذا القول على هذا الاحتمال الإثبات والتأكيد، لم يقتصروا على أخذ الميثاق على الأمم، بل طالبوهم بالإقرار بالقبول.
ويكون : إصري، على الظاهر مضافا إلى اللّه تعالى، وعلى هذا القول الثاني يكون مضافا إلى النبي والإصر : العهد لأنه مما يؤصر أي يشدّ ويعقد. وقرىء بضم الهمزة، وهي مروية عن أبي بكر عن عاصم، فيحتمل أن يكون ذلك لغة في : أصر، كما قالوا : ناقة أسفار عبر، وعبر أسفار، وهي المعدّة للأسفار. ويحتمل أن يكون جمعا لإصار، كإزار وأزر ومعنى الأخذ هنا : القبول.
قالُوا أَقْرَرْنا معناه أقررنا بالإيمان به وبنصرته، وقبلنا ذلك والتزمناه. وثم جملة محذوفة أي : أقررنا وأخذنا على ذلك الإصر، وحذفت لدلالة ما تقدم عليها.
قالَ فَاشْهَدُوا الظاهر أنه تعالى قال للنبيين المأخوذ عليهم الميثاق : فاشهدوا، ومعناه من الشهادة أي : ليشهد بعضكم على بعض بالإقرار وأخذ الإصر، قاله مقاتل.
وقيل : فاشهدوا هو خطاب للملائكة، قاله ابن المسيب. وقيل : معنى : فاشهدوا، بينوا هذا الميثاق للخاص والعام لكيلا يبقى لأحد عذر في الجهل به، وأصله : أن الشاهد هو الذي يبين صدق الدعوى، قاله الزجاج، ويكون : اشهدوا، بمعنى : أدّوا، لا بمعنى : تحملوا.
وقيل : معناه استيقنوا ما قررته عليكم من هذا الميثاق وكونوا فيه كالمشاهد للشيء المعاين له، قاله ابن عباس. وقيل : فاشهدوا، خطاب للأنبياء إذا قلنا : إن أخذ الميثاق كان على أتباعهم أمروا بأن يكونوا شاهدين على أممهم، وروي هذا عن عليّ بن أبي طالب.
وعلى القول : بأن المعنى في : قال أأقررتم، أي : قال كل نبي، يكون المعنى على كل نبي لأمّته فاشهدوا، أي : ليشهد بعضكم على بعض. وقوله : فاشهدوا، معطوف على محذوف التقدير، قال : أأقرتم فاشهدوا، فالفاء دخلت للعطف. ونظير ذلك قوله : ألقيت زيدا؟ قال : لقيته! قال : فأحسن إليه. التقدير : لقيت زيدا فاحسن إليه، فما فيه الفاء بعض المقول، ولا يجوز أن يكون كل المقول لأجل الفاء، ألا ترى قال : أأقررتم، وقوله : قالوا أقررنا؟ لما كان كل المقول لم تدخل بالفاء.