البحر المحيط، ج ٣، ص : ٢٧
وتكرير، وإما طالبو ظواهر المتشابه : كالمجمسة إذ أثبتوا أنه جسم، وصورة ذات وجه، وعين ويد وجنب ورجل وأصبع. وإما متبعو إبداء تأويل وإيضاح معاينة، كما سأل رجل ابن عباس عن أشياء اختلفت عليه في القرآن، مما ظاهرها التعارض، نحو :
وَلا يَتَساءَلُونَ «١» وأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ «٢» وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً «٣» وَاللَّهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ «٤» ونحو ذلك. وأجابه ابن عباس بما أزال عنه التعارض، وإما متبعوه وسائلون عنه سؤال تعنت، كما جرى لأصيبغ مع عمر، فضرب عمر رأسه حتى جرى دمه على وجهه. انتهى كلامه ملخصا.
ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ علل اتباعهم للمتشابه بعلتين :
إحداهما : ابتغاء الفتنة. قال السدي، وربيع، ومقاتل، وابن قتيبة : هي الكفر. وقال مجاهد : الشبهات واللبس. وقال الزجاج : إفساد ذات البين. وقيل : الشبهات التي حاج بها وفد نجران.
والعلة الثانية : ابتغاء التأويل. قال ابن عباس : ابتغوا معرفة مدة النبي صلى اللّه عليه وسلم. وقيل :
التأويل : التفسير، نحو سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ ما لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً «٥» وقال ابن عبّاس أيضا : طلبوا مرجع أمر المؤمنين، ومآل كتابهم ودينهم وشريعتهم، والعاقبة المنتظرة.
وقال الزجاج : طلبوا تأويل بعثهم وإحيائهم، فأعلم تعالى : أن تأويل ذلك، ووقته يوم يرون ما يوعدون من البعث والعذاب، يقول الذين نسوه، أي تركوه : قد جاءت رسل ربنا، أي : قد رأينا تأويل ما أنبأتنا به الرسل. وقال السدي : أرادوا أن يعلموا عواقب القرآن، وهو تأويله متى ينسخ منه شيء. وقيل : تأويله طلب كنه حقيقته وعمق معانيه. وقال الفخر الرازي كلاما ملخصه : إن المراد بالتأويل ما ليس في الكتاب دليل عليه، مثل : متى الساعة؟ ومقادير الثواب والعقاب لكل مكلف؟
وقال الزمخشري : الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ هم أهل البدع، فيتبعون ما تشابه منه، فيتعلقون بالمتشابه الذي يحتمل ما يذهب إليه المبتدع مما لا يطابق المحكم، ويحتمل ما
(١) سورة المؤمنون : ٢٣/ ١٠١.
(٢) سورة الصافات : ٣٧/ ٢٧.
(٣) سورة النساء : ٤/ ٤٢.
(٤) سورة الأنعام : ٦/ ٢٣. [.....]
(٥) سورة الكهف : ١٨/ ٧٨.