البحر المحيط، ج ٣، ص : ٢٧٨
«من ترك الصلاة فقد كفر»
«لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض».
على أحد التأويلين. وقال الزمخشري : ومنها يعني من أنواع التأكيد والتشديد قوله : ومن كفر، مكان ومن لم يحج تغليظا على تارك الحج، ولذلك
قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم :«من مات ولم يحج فليمت إن شاء يهوديا أو نصرانيا»
ونحوه من التغليظ من ترك الصلاة متعمدا فقد كفر، انتهى كلامه، وهو من معنى كلام السدي. وقال سعيد بن المسيب : ومن كفر بكون البيت قبله الحق، فعلى هذا يكون راجعا إلى اليهود الذين قالوا حين حوّلت القبلة : ما وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها «١» وكفروا بها وقالوا : لا نحج إليها أبدا.
ومن شرطية وجواب الشرط الجملة المصدرة بالفاء، والرابط لها بجملة الشرط هو العموم الذي في قوله : عَنِ الْعالَمِينَ إذ من كفر فهو مندرج تحت هذا العموم. وفي هذا اللفظ وعيد شديد لمن كفر قال ابن عطية : والقصد بالكلام : فإن اللّه غني عنهم، ولكن عمّ اللفظ ليبرع المعنى ويتنبه الفكر على قدرة اللّه وسلطانه واستغنائه عن جميع الوجوه، حتى ليس به افتقار إلى شيء، لا ربّ سواه انتهى. وقال الزمخشري : ومنها يعني من أنواع التأكيد ذكر الاستغناء عنه، وذلك مما يدل على المقت والسخط والخذلان. ومنها قوله :
عن العالمين، ولم يقل عنه. وما فيه من الدلالة على الاستغناء عنه ببرهان، لأنّه إذا استغنى عن العالمين تناوله الاستغناء عنه لا محالة. ولأنّه يدلّ على الاستغناء الكامل، فكان أدل على عظم السخط الذي وقع عبارة عنه. وقيل : في الكلام محذوف تقديره : فإن اللّه غني عن حج العالمين.
قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَاللَّهُ شَهِيدٌ عَلى ما تَعْمَلُونَ :
قال الطبري : سبب نزولها ونزول ما بعدها إلى قوله : وَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ «٢» ان رجلا من اليهود حاول الإغراء بين الأوس والخزرج واسمه : شاس بن قيس، وكان أعمى شديد الضغن والحسد للمسلمين، فرأى ائتلاف الأوس والخزرج، فقال : ما لنا من قرار بهذه البلاد مع اجتماع ملأ بني قيلة، فأمر شابا من اليهود أن يذكرهم يوم بعاث وما جرى فيه من الحرب وما قالوه من الشعر، ففعل، فتكلموا حتى ثاروا إلى السلاح بالحرة. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم :«أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم»؟ ووعظهم فرجعوا وعانق بعضهم بعضا
، هذا ملخصه وذكروه مطولا. وقال الحسن : وقتادة، والسدي : نزلت في أحبار اليهود
(١) سورة البقرة : ٢/ ١٤٢.
(٢) سورة آل عمران : ٣/ ١٠٥.