البحر المحيط، ج ٣، ص : ٢٨٠
سعوا في إضلال من آمن، أنكر عليهم تعالى ذلك، فجمعوا بين الضلال والإضلال «من سنّ سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عملها». وصدّ : لازم ومتعد. يقال : صد عن كذا، وصد غيره عن كذا. وقراءة الجمهور : يصدون ثلاثيا، وهو متعد ومفعوله من آمن. وقرأ الحسن : تصدّون من أصدّ، عدى صدّ اللازم بالهمز، وهما لغتان.
وقال ذو الرّمة :
أناس أصدّوا الناس بالسيف عنهم ومعنى صد هنا : صرف. وسبيل اللّه : هو دين اللّه، وطريق شرعه، وقد تقدّم أنها تذكر وتؤنث.
ومن التأنيث قوله :
فلا تبعد فكل فتى أناس سيصبح سالكا تلك السبيلا
قال الراغب : وقد جاء يا أَهْلَ الْكِتابِ دون قل، وجاء هنا قل. فبدون قل هو استدعاء منه تعالى لهم إلى الحق، فجعل خطابهم منه استلانة للقوم ليكونوا أقرب إلى الانقياد. ولما قصد الغض منهم ذكر قل تنبيها على أنهم غير متساهلين أن يخاطبهم بنفسه، وإن كان كلا الخطابين وصل على لسان النبي صلّى اللّه عليه وسلّم. وأطلق أهل الكتاب على المدح تارة، وعلى الذّم أخرى. وأهل القرآن والسنة لا ينطلق إلا على المدح، لأن الكتاب قد يراد به ما افتعلوه دون ما أنزل اللّه نحو : يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ «١» وقد يراد به ما أنزل اللّه.
وأيضا فقد يصحّ أن يقال على سبيل الذمّ والتهكم، كما لو قيل : يا أهل الكتاب لمن لا يعمل بمقتضاه، انتهى ما لخص من كلامه.
والهاء في يبغونها عائدة على السبيل. قال الزجاج والطبري : يطلبون لها اعوجاجا.
تقول العرب : ابغني كذا بوصل الألف، أي اطلبه. أي وأبغني بقطع الألف أعني على طلبه. قال الزمخشري :(فإن قلت) كيف يبغونها عوجا وهو محال؟ (قلت) فيه معنيان :
أحدهما : أنكم تلبسون على الناس حتى توهموهم أنّ فيها عوجا بقولكم : إن شريعة موسى لا تنسخ، وبتغييركم صفة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عن وجهها، ونحو ذلك. والثاني : أنكم تتعبون أنفسكم في إخفاء الحق، وابتغاء ما لا يتأتى لكم من وجود العوج فيما هو أقوم من كل مستقيم انتهى. وقيل : يبغون هنا من البغي وهو التعدي. أي يتعدّون عليها، أو فيها.

_
(١) سورة البقرة : ٢/ ٧٩.


الصفحة التالية
Icon