البحر المحيط، ج ٣، ص : ٣٦
ولا تناصر أولادهم، أخبر بمآلهم. وأن غاية من كفر، ومنتهى من كذب بآيات اللّه النار، فاحتلمت هذه الجملة أن تكون معطوفة على خبر : إن، واحتمل أن تكونه مستأنفة عطفت على الجملة الأولى، وأشار : بأولئك، إلى بعدهم. وأتى بلفظ : هم، المشعرة بالاختصاص، وجعلهم نفس الوقود مبالغة في الاحتراق، كأن النار ليس لها ما يضرمها إلا هم، وتقدّم الكلام في الوقود في قوله : وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ «١».
وقرأ الحسن، ومجاهد، وغيرهما : وقود، بضم الواو، وهو مصدر : وقدت النار تقد وقودا، ويكون على حذف مضاف، أي : أهل وقود النار، أو : حطب وقود، أو جعلهم نفس الوقود مبالغة، كما تقول : زيد رضا.
وقد قيل في المصدر أيضا : وقود، بفتح الواو، وهو من المصادر التي جاءت على فعول بفتح الواو، وتقدّم ذكر ذلك.
و : هم، يحتمل أن يكون مبتدأ، ويحتمل أن يكون فصلا.
كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ لما ذكر أن من كفر وكذب باللّه مآله إلى النار، ولن يغني عنه ماله ولا ولده، ذكر أن شأن هؤلاء في تكذيبهم لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وترتب العذاب على كفرهم، كشأن من تقدّم من كفار الأمم، أخذوا بذنوبهم، وعذبوا عليها، ونبه على آل فرعون، لأن الكلام مع بني إسرائيل، وهم يعرفون ما جرى لهم حين كذبوا بموسى من إغراقهم وتصييرهم آخرا إلى النار، وظهور بني إسرائيل عليهم، وتوريثهم أماكن ملكهم، ففي هذا كله بشارة لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، ولمن آمن به. أن الكفار مآلهم في الدنيا إلى الاستئصال، وفي الآخرة إلى النار، كما جرى لآل فرعون، أهلكوا في الدنيا، وصاروا إلى النار.
واختلفوا في إعراب : كدأب، فقيل : هو خبر مبتدأ محذوف، فهو في موضع رفع، التقدير : دأبهم كدأب، وبه بدأ الزمخشري وابن عطية.
وقيل : هو في موضع نصب بوقود، أي : توقد النار بهم، كما توقد بآل فرعون. كما تقول : إنك لتظلم الناس كدأب أبيك، تريد : كظلم أبيك، قاله الزمخشري.

_
(١) سورة البقرة : ٢/ ٢٤ والتحريم : ٦٦/ ٦.


الصفحة التالية
Icon