البحر المحيط، ج ٣، ص : ٤٠
والاعتبار. وفي قوله : لا تُزِغْ قُلُوبَنا اختص القلوب لأن بها صلاح الجسد وفساده، وليس كذلك بقية الأعضاء، ولأنها محل الإيمان ومحل العقل على قول من يقول ذلك، وفي قوله : إِنَّكَ جامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ هو جامعهم في الدنيا على وجه الأرض أحياء وفي بطنها أمواتا، لأن في ذلك اليوم الجمع الأكبر، وهو الحشر، ولا يكون إلّا في ذلك اليوم، ولا جامع إلّا هو تعالى. وفي قوله : إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ اختص الكفار لأن المؤمنين تغني عنهم أموالهم التي ينفقونها في وجوه البر، فهم يجنون ثمرتها في الآخرة، وتنفعهم أولادهم في الآخرة، يسقونهم ويكونون لهم حجابا من النار، ويشفعون فيهم إذا ماتوا صغارا، وينفعونهم بالدعاء الصالح كبارا. وكل هذا ورد به الحديث الصحيح.
وفي قوله : كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ خصهم بالذكر، وقدمهم لأنهم أكثر الأمم طغيانا، وأعظمهم تعنتا على أنبيائهم، فكانوا أشد الناس عذابا.
والحذف في مواضع، في قوله : لِما بَيْنَ يَدَيْهِ أي : من الكتب وأَنْزَلَ التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ أي : وأنزل الإنجيل، لأن الإنزالين في زمانين هُدىً لِلنَّاسِ أي : الذين أراد هداهم : عَذابٌ شَدِيدٌ أي يوم القيامة، ذُو انْتِقامٍ أي ممن أراد عقوبته فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ أي ولا في غيرهما الْعَزِيزُ أي : في ملكه. الْحَكِيمُ أي في صنعه وَأُخَرُ أي : آيات أخر زَيْغٌ أي عن الحق ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ أي : لكم وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ أي : على غير الوجه المراد منه وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ أي : على الحقيقة المطلوبة رَبَّنا أي يا ربنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا أي : عن الحق بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا أي : إليه كَذَّبُوا بِآياتِنا أي : المنزلة على الرسل، أو المنصوبات علما على التوحيد بِذُنُوبِهِمْ أي السالفة.
والتكرار : نزل عليك الكتاب، وأنزل التوراة، وأنزل الفرقان. كرر لاختلاف الإنزال، وكيفيته، وزمانه، بآيات اللّه، واللّه كرر اسمه تعالى تفخيما، لأن في ذكر المظهر من التفخيم ما ليس في المضمر. لا إله إلّا هو الحي القيوم، لا إله إلا هو العزيز. كرر الجملة تنبيها على استقرار ذلك في النفوس، وردا على من زعم أن معه إلها غيره. ابتغاء تأويله، وما يعلم تأويله. كرر لاختلاف التأويلين، أو للتفخيم لشأن التأويل. ربنا لا تزغ،


الصفحة التالية
Icon