البحر المحيط، ج ٣، ص : ٥٠٥
القول الذي قبله. وقيل : ما مصدرية، والمصدر مقدّر باسم الفاعل. والمعنى : فانكحوا النكاح الذي طاب لكم. وقيل : ما نكرة موصوفة، أي : فانكحوا جنسا أو عددا يطيب لكم. وقيل : ما ظرفية مصدرية، أي : مدة طيب النكاح لكم. والظاهر أنّ ما مفعولة بقوله :
فانكحوا، وأنّ من النساء معناه : من البالغات. ومن فيه إما لبيان الجنس للإبهام الذي في ما على مذهب من يثبت لها هذا المعنى، وإمّا للتبعيض وتتعلق بمحذوف أي : كائنا من النساء، ويكون في موضع الحال. وأما إذا كانت ما مصدرية أو ظرفية، فمفعول فانكحوا هو من النساء، كما تقول : أكلت من الرغيف، والتقدير فيه : شيئا من الرغيف. ولا يجوز أن يكون مفعول فانكحوا مثنى، لأن هذا المعدول من العدد لا يلي العوامل كما تقرر في المفردات.
وقرأ ابن أبي إسحاق والجحدري والأعمش طاب بالإمالة. وفي مصحف أبي طيب بالياء، وهو دليل الإمالة. وظاهر فانكحوا الوجوب، وبه قال أهل الظاهر مستدلين بهذا الأمر وبغيره. وقال غيرهم : هو ندب لقوم، وإباحة لآخرين بحسب قرائن المرء، والنكاح في الجملة مندوب إليه. ومعنى ما طاب : أي ما حل، لأن المحرمات من النساء كثير قاله :
الحسن وابن جبير وأبو مالك. وقيل : ما استطابته النفس ومال إليه القلب. قالوا : ولا يتناول قوله فانكحوا العبيد.
ولما كان قوله : ما طاب لكم من النساء عامّا في الأعداد كلها، خص ذلك بقوله :
مثنى وثلاث ورباع. فظاهر هذا التخصيص تقسيم المنكوحات إلى أنّ لنا أن نتزوج اثنين اثنين، وثلاثة ثلاثة، وأربعة أربعة، ولا يجوز لنا أن نتزوج خمسة خمسة، ولا ما بعد ذلك من الاعداد. وذلك كما تقول : أقسم الدراهم بين الزيدين درهمين درهمين، وثلاثة ثلاثة، وأربعة أربعة، فمعنى ذلك أن تقع القسمة على هذا التفصيل دون غيره. فلا يجوز لنا أن نعطي أحدا من المقسوم عليهم خمسة خمسة، ولا يسوغ دخول أو هنا مكان الواو، لأنه كان يصير المعنى أنهم لا ينكحون كلهم إلا على أحد أنواع العدد المذكور، وليس لهم أن يجعلوا بعضه على تثنية وبعضه على تثليث وبعضه على تربيع، لأن أو لأحد الشيئين أو الأشياء. والواو تدل على مطلق الجمع، فيأخذ الناكحون من أرادوا نكاحها على طريق الجميع إن شاؤوا مختلفين في تلك الأعداد، وإن شاؤوا متفقين فيها محظورا عليهم ما زاد.
وذهب بعض الشيعة : إلى أنه يجوز النكاح بلا عدد، كما يجوز التسري بلا عدد. وليست الآية تدل على توقيت في العدد، بل تدل على الإباحة كقولك : تناول ما أحببت واحدا