البحر المحيط، ج ٣، ص : ٥٠٧
واحدة. أو ما ملكت أيمانكم هذا إن حملنا فانكحوا على تزوجوا، وإن حملناه على الوطء قدرنا الفعل الناصب لقوله : فواحدة. فانكحوا واحدة أو ما ملكت أيمانكم. ويحتمل أن يكون من باب علفتها تبنا وماء باردا على أحد التخريجين فيه، والتقدير : فانكحوا أي تزوجوا واحدة، أوطئوا ما ملكت أيمانكم. ولم يقيد مملوكات اليمين بعدد، فيجوز أن يطأ ما شاء منهن لأنه لا يجب العدل بينهن لا في القسم ولا في النفقة ولا في الكسوة. وقرأ الحسن والجحدري وأبو جعفر وابن هرمز : فواحدة بالرفع. ووجه ذلك ابن عطية على أنه مرفوع بالابتداء، والخبر مقدر أي : فواحدة كافية. ووجهه الزمخشري على أنه مرفوع على الخبر أي : فالمقنع، أو فحسبكم واحدة، أو ما ملكت أيمانكم. وأو هنا لأحد الشيئين : إما على التخيير، وإما على الإباحة.
وروي عن أبي عمرو : فما ملكت أيمانكم يريد به الإماء، والمعنى : على هذا إن خاف أن لا يعدل في عشرة واحدة فما ملكت يمينه. وقرأ ابن أبي عبلة : أو من ملكت أيمانكم، وأسند الملك إلى اليمين لأنها صفة مدح، واليمين مخصوصة بالمحاسن. ألا ترى أنها هي المنفقة في
قوله :«حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه»
وهي المعاهدة والمتلقية لرايات المجد، والمأمور في تناول المأكول بالأكل بها، والمنهي عن الاستنجاء بها.
وهذان شرطان مستقلان لكل واحد منهما جواب مستقل، فأول الشرطين : وإن ختفم أن لا تقسطوا، وجوابه : فانكحوا. صرف من خاف من الجور في نكاح اليتامى إلى نكاح البالغات منهن ومن غيرهن وذكر تلك الأعداد. وثاني الشرطين قوله : فإن خفتم أن لا تعدلوا وجوابه : فواحدة، أو ما ملكت أيمانكم صرف من خاف من الجور في نكاح ما ذكر من العدد إلى نكاح واحدة، أو تسرّ بما ملك وذلك على سبيل اللطف بالمكلف والرفق به، والتعطف على النساء والنظر لهن.
وذهب بعض الناس إلى أن هذه الجمل اشتملت على شرط واحد، وجملة اعتراض. فالشرط : وإن خفتم أن لا تقسطوا، وجوابه : فواحدة. وجملة الاعتراض قوله :
فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع، وكرر الشرط بقوله : فإن خفتم أن لا تعدلوا. لما طال الكلام بالاعتراض إذ معناه : كما جاء في فلما جاءهم ما عرفوا بعد قوله، ولما جاءهم كتاب من عند اللّه إذ طال الفصل بين لما وجوابها فأعيدت. وكذلك فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفازَةٍ «١» بعد قوله : لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ «٢» إذ طال الفصل بما بعده

_
(١) سورة آل عمران : ٣/ ١٨٨.
(٢) سورة آل عمران : ٣/ ١٨٨.


الصفحة التالية
Icon