البحر المحيط، ج ٣، ص : ٥٧٨
وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ «١» على قراءة من بناه للفاعل. ومتى جاء التحريم من اللّه فلا يفهم منه إلا التأبيد، فإن كان له حالة إباحة نصّ عليها كقوله : فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ «٢» وأما أنه صيغة ماض فيخصه فالأفعال التي جاءت يستفاد منها الأحكام الشرعية، وإن كانت بصيغة الماضي فإنها لا تخصه، فإنها نظير أقسمت لأضربن زيدا لا يراد بها أنه صدر منه إقسام في زمان ماض. فإن كان الحكم ثابتا قبل ورود الفعل ففائدته تقرير ذلك الحكم الثابت، وإن لم يكن ثابتا ففائدته إنشاء ذلك الحكم وتجديده. وأمّا أن الظاهر أنه يحرم على كلّ أحد جميع أمهاتهم فليس بظاهر، ولا مفهوم من اللفظ. لأنّ عليكم أمهاتكم عام يقابله عام، ومدلول العموم أن تقابل كل واحد بكلّ واحد واحد. أما أن يأخذ ذلك على طريق الجمعية فلا، لأنها ليست دلالة العام. فإنما المفهوم : حرم على كل واحد واحد منكم كلّ واحدة، واحدة من أم نفسه. والمعنى : حرم على هذا أمه. وعلى هذا أمّه والأمّ المحرّمة شرعا هي كل امرأة رجع نسبك إليها بالولادة من جهة أبيك، أو من جهة أمك.
ولفظ الأم حقيقة في التي ولدتك نفسه. ودلالة لفظ الأم على الجدّة إن كان بالتواطىء أو بالاشتراك، وجاز حمله على المشتركين، كان حقيقة، وتناولها النص. وإن كان بالمجاز وجاز حمله على الحقيقة والمجاز، فكذلك وإلا فيستفاد تحريم الجدّات من الإجماع أو من نصّ آخر.
وحرمة الأمهات والبنات كانت من زمان آدم عليه السلام إلى زماننا هذا، وذكروا أنّ سبب هذا التحريم : أنّ الوطء إذلال وامتهان، فصينت الأمهات عنه، إذ إنعام الأم على الولد أعظم وجوه الأنعام.
والبنت المحرّمة كل أنثى رجع نسبها إليك بالولادة بدرجة أو درجات بإناث أو ذكور، وبنت البنت هل تسمى بنتا حقيقة، أو مجازا الكلام فيها كالكلام في الجدة، وقد كان في العرب من تزوج ابنته وهو حاجب بن زرارة تمجس، ذكر ذلك : النضر بن شميل في كتاب المثالب.
وَأَخَواتُكُمْ الأخت المحرمة كل من جمعك وإياها صلب أو بطن.
وَعَمَّاتُكُمْ وَخالاتُكُمْ العمة : أخت الأب، والخالة : أخت الأم. وخص تحريم العمات والخالات دون أولادهن. وتحرم عمة الأب وخالته وعمة الأم وخالتها، وعمة

_
(١) سورة النساء : ٤/ ٢٤.
(٢) سورة البقرة : ٢/ ١٧٣.


الصفحة التالية
Icon