البحر المحيط، ج ٣، ص : ٥٨٢
وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ أجمعوا على تحريم ما عقد عليه الآباء على الأبناء، وما عقد عليه الأبناء على الآباء كان مع العقد وطء، أو لم يكن. والحليلة : اسم يختص بالزوجة دون ملك اليمين، ولذلك جاء في أزواج أدعيائهم. ولما علق حكم التحريم بالتسمية دون الوطء، اقتضى تحريمهن بالعقد دون شرط الوطء. وجاء الذين من أصلابكم وهو وصف لقوله : أبنائكم، برفع المجاز الذي يحتمله لفظ أبنائكم إذ كانوا يطلقون على من اتخذته العرب ابنا من غيرهم، وتبنته ابنا، كما كانوا يقولون : زيد بن محمد، إلى أن نزل : ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ «١» الآية وكما قالت امرأة أبي حذيفة في سالم : إنا كنا نراه ابنا. وقد تزوج رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم زينب بنت جحش الأسدية وهي بنت عمته، أميمة بنت عبد المطلب حين فارقها زيد بن حارثة، وأجمعوا على أن حليلة الابن من الرضاع في التحريم كحليلة الابن من الصلب، استنادا إلى
قوله صلّى اللّه عليه وسلّم :«يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب»
وظاهر قوله : وحلائل أبنائكم اختصاص ذلك بالزوجات كما ذكرناه، واتفقوا على أنّ مطلق عقد الشراء للجارية لا يحرمها على أبيه ولا ابنه، فلو لمسها أو قبلها حرمت على أبيه وابنه، لا يختلف في تحريم ذلك. واختلفوا في مجرد النظر بشهوة.
وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ أن تجمعوا في موضع رفع لعطفه على مرفوع، والمعنى : وأن تجمعوا بين الأختين في النكاح، لأن سياق الآية إنما هو في النكاح، وإن كان الجمع بين الأختين أعم من أن يكون في زوجين، أو بملك اليمين. فأما إذا كان على سبيل التزويج، فأجمعت الأمة على تحريم العقد على ذلك سواء وقع العقدان معا، أم مرتبا. واختلفوا في تزويج المرأة في عدة أختها : فروي عن زيد، وابن عباس، وعبيدة، وعطاء، وابن سيرين، ومجاهد في آخرين من التابعين : أن ذلك لا يجوز فبعضهم أطلق العدة، وبعضهم قال : إذا كانت من الثلاث وهو قول : أبي حنيفة، وأبي يوسف، ومحمد، وزفر، والثوري، والحسن بن صالح. وروي عن عروة، والقاسم، وخلاس : أنه يجوز له ذلك إذا كانت من طلاق بائن، وهو قول : مالك والأوزاعي والليث والشافعي. واختلف عن سعيد والحسن وعطاء. والجواز ظاهر الآية، إذا لم يكن الطلاق رجعيا. وأما الجمع بينهما بملك اليمين فلا خلاف في شرائهما ودخولهما في ملكه، وأما الجمع بينهما في الوطء :
(١) سورة الأحزاب : ٣٣/ ٤٠.