البحر المحيط، ج ٣، ص : ٦٥١
جرى مجرى المصدر الذي هو الإجناب انتهى. والذي ذكره هو المشهور في اللغة والفصيح، وبه جاء القرآن. وقد جمعوه جمع سلامة بالواو والنون قالوا : قوم جنبون، وجمع تكسير قالوا : قوم أجناب. وأما تثنيته فقالوا : جنبان.
إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ العبور : الخطور والجواز، ومنه ناقة عير الهواجر وعبر أسفار قال :
عيرانه سرح اليدين شمله عبر الهواجر كالهجف الخاضب
وعابر السبيل هو المارّ في المسجد من غير لبث فيه، وهو مذهب الشافعي قال : يمرّ فيه ولا يقعد فيه. وقال الليث : لا يمرّ فيه إلا إن كان بابه إلى المسجد. وقال أحمد وإسحاق : إذا توضأ الجنب فلا بأس به أن يقعد في المسجد. وقال الزمخشري : من فسر الصلاة بالمسجد قال : معناه لا تقربوا المسجد جنبا إلا مجتازين فيه، إذا كان الطريق فيه إلى الماء، أو كان الماء فيه، أو احتلمتم فيه. وقيل : إنّ رجالا من الأنصار كانت أبوابهم في المسجد فتصيبهم الجنابة ولا يجدون ممرّا إلا في المسجد، فرخص لهم.
وروي أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم :«لم يأذن لأحد أن يجلس في المسجد أو يمرّ فيه وهو جنب، إلا لعلي. لأن بيته كان في المسجد»
وقال عليّ وابن عباس أيضا وابن جبير ومجاهد والحكم وغيرهم : عابر السبيل المسافر، فلا يصح لأحد أن يقرب الصلاة وهو جنب إلا بعد الاغتسال، إلا المسافر فإنه يتيمم
وهو مذهب أبي حنيفة، وأبي يوسف، ومحمد، وزفر، قالوا : لا يدخل المسجد إلا الطاهر سواء أراد القعود فيه أم الاجتياز، وهو قول : مالك والثوري وجماعة. ورجح هذا القول بأن قوله : لا تقربوا الصلاة يبقى على ظاهره، وحقيقته بخلاف تأويل مواضع الصلاة فإنه مجاز، ولا يعدل إليه إلا بعد تعذر حمل الكلام على حقيقته. وليس في المسجد قول مشروط يمنع من دخوله لتعذره عليه عند السكر، وفي الصلاة قراءة مشروطة يمنع لأجل تعذر إقامتها من فعل الصلاة. وسمي المسافر عابر سبيل لأنه على الطريق، كما سمي ابن السبيل.
وأفاد الكلام معنيين : أحدهما : جواز التيمم للجنب إذا لم يجد الماء والصلاة به.
والثاني : أن التيمم لا يرفع الجنابة، لأنه سماه جنبا مع كونه متيمما. وعلى هذا المعنى فسر الزمخشري الآية أولا فقال : إلا عابري سبيل، الاستثناء من عامة أحوال المخاطبين، وانتصابه على الحال. (فإن قلت) : كيف جمع بين هذه الحال والتي قبلها؟ (قلت) : كأنه


الصفحة التالية
Icon