البحر المحيط، ج ٣، ص : ٦٦٤
وقد نظرتكم أثناء صادرة للخمس طال بها مسحى وابساسي
وقالت فرقة : معناه انظر إلينا، وكأنه استدعاء اهتبال وتحف منهم. ومنه قول ابن قيس الرقيات :
ظاهرات الجمال والحسن ينظرن كما تنظر الأراك الظباء.
وقرأ أبي : وأنظرنا من الإنظار وهو الإمهال. قال الزمخشري : المعنى ولو ثبت قولهم سمعنا وأطعنا لكان قولهم ذلك خيرا لهم وأقوم وأعدل وأسد انتهى. فسبك من أنهم قالوا مصدرا مرتفعا يثبت على الفاعلية، وهذا مذهب المبرد خلافا لسيبويه. إذ يرى سيبويه أنّ أن بعد لو مع ما عملت فيه مقدر باسم مبتدأ، وهل الخبر محذوف، أم لا يحتاج إلى تقدير خبر لجريان المسند والمسند إليه في صلة أن؟
قولان أصحهما هذا. فالزمخشري وافق مذهب المبرد، وهو مذهب مرجوح في علم النحو.
وَلكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ أي : أبعدهم اللّه عن الهدى بسبب كفرهم السابق.
وقال الزمخشري : أي خذلهم بسبب كفرهم وأبعدهم عن ألطافه انتهى. وهذا على طريقة الاعتزالي.
فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا استثناء من ضمير المفعول في لعنهم أي : إلا قليلا لم يلعنهم فآمنوا، أو استثناء من الفاعل في : فلا يؤمنون، أي : إلا قليلا فآمنوا كعبد اللّه بن سلام، وكعب الأحبار، وغيرهما. أو هو راجع إلى المصدر المفهوم من قوله : فلا يؤمنون أي : إلا إيمانا قليلا قللّه إذ آمنوا بالتوحيد، وكفروا بمحمد صلّى اللّه عليه وسلّم وبشرائعه. وقال الزمخشري : إلا إيمانا قليلا أي : ضعيفا ركيكا لا يعبأ به، وهو إيمانهم بمن خلقهم مع كفرهم بغيره. وأراد بالقلة العدم كقوله : قليل التشكي للهموم تصيبه. أي عديم التشكي.
وقال ابن عطية : من عبر بالقلة عن الإيمان قال : هي عبارة عن عدمه على ما حكى سيبويه من قولهم : أرض قلما تنبت كذا، وهي لا تنبته جملة. وهذا الذي ذكره الزمخشري وابن عطية من أن التقليل يراد به العدم هو صحيح في نفسه، لكن ليس هذا التركيب الاستثنائي من تراكيبه. فإذا قلت : لا أقوم إلا قليلا، لم يوضع هذا لانتفاء القيام البتة، بل هذا يدل على انتفاء القيام منك إلا قليلا فيوجد منك. وإذا قلت : قلما يقوم أحد إلا زيد، وأقل رجل يقول ذلك احتمل هذا، أن يراد به التقليل المقابل للتكثير، واحتمل أن يراد به النفي المحض. وكأنك قلت : ما يقوم أحد إلا زيد، وما رجل يقول ذلك. إمّا أن تنفي ثم توجب