البحر المحيط، ج ٣، ص : ٧٣٠
قول قلق، وليس يشبه ما حكى سيبويه من قولهم : أرض قلما تنبت كذا، بمعنى لا تنبته. لأن اقتران القلة بالاستثناء يقتضي حصولها، ولكن ذكره الطبري انتهى. وهذا الذي ذكره ابن عطية صحيح، ولكن قد جوزه هو في قوله : وَلكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا «١» ولم يقلق عنده هناك ولا رده، وقد رددناه عليه هناك فيطالع ثمة.
وقيل : إلا قليلا مستثنى من قوله : أذاعوا به، والتقدير : أذاعوا به إلا قليلا، قاله : ابن عباس وابن زيد، واختاره : الكسائي، والفراء، وأبو عبيد، وابن حرب، وجماعة من النحويين، ورجحه الطبري. وقيل : مستثنى من قوله : لعلمه الذين يستنبطونه منهم، قاله :
الحسن، وقتادة، واختاره ابن عيينة. وقال مكي : ولو لا فضل اللّه عليكم أي : رحمته ونعمته إذ عافاكم مما ابتلى به هؤلاء المنافقين الذين وصفهم بالتبييت، والخلاف لاتبعتم الشيطان هو خطاب للذين قال لهم : خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُباتٍ «٢» وقيل : الخطاب عام، والقليل المستثنى هم أمة الرسول، لأنهم قليل بالنسبة إلى الكفار. وفي الحديث الصحيح :«ما أنتم إلا كالرقمة البيضاء في الثور الأسود».
فَقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ قيل : نزلت في بدر الصغرى. دعا الناس إلى الخروج، وكان أبو سفيان وعاد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم اللقاء فيها، فكره بعض الناس أن يخرجوا فنزلت. فخرج وما معه إلا سبعون لم يلو على أحد، ولو لم يتبعه أحد لخرج وحده.
ومناسبة هذه الآية هي : أنه لما ذكر في الآيات قبلها تثبيطهم عن القتال، واستطرد من ذلك إلى أنّ الموت يدرك كل أحد ولو اعتصم بأعظم معتصم، فلا فائدة في الهرب من القتال، وأتبع ذلك بما أتبع من سوء خطاب المنافقين للرسول عليه السلام، وفعلهم معه من إظهار الطاعة بالقول وخلافها بالفعل، وبكتهم في عدم تأملهم ما جاء به الرسول من القرآن الذي فيه كتب عليهم القتال، عاد إلى أمر القتال. وهكذا عادة كلام العرب تكون في شيء ثم تستطرد من ذلك إلى شيء آخر له به مناسبة وتعلق، ثم تعود إلى ذلك الأول.
والفاء هنا عاطفة جملة كلام على جملة كلام يليه، ومن زعم أنّ وجه العطف بالفاء هو أن يكون متصلا بقوله : وَما لَكُمْ لا تُقاتِلُونَ «٣» أو بقوله :

_
(١) سورة النساء : ٤/ ٤٦.
(٢) سورة النساء : ٤/ ٧١.
(٣) سورة النساء : ٤/ ٧٥.


الصفحة التالية
Icon